أنْ يصل بعض دول الخليج إلى اعتبار الهجوم الفدائي الفلسطيني على كنيس يهودي في القدس الشرقية المحتلّة الذي أوقع سبعة قتلى وعدداً من الجرحى بين المستوطنين الإسرائيليين، «هجوماً مداناً على مدنيين أبرياء»، فهذا يدلّ على المدى الذي وصلت إليه الأنظمة الخليجية في ربْط مصيرها بالنسخة اليمينية الأكثر تطرّفاً للحُكم في إسرائيل. فالقدس الشرقية أرض محتلّة، ومرتادو الكنيس مستوطنون، حتى بالمعايير غير العادلة التي يعتمدها ما يُسمّى «المجتمع الدولي» عبر الأمم المتحدة.والمقلق أن بعض بيانات الإدانة العربية لهجوم القدس لا تقف عند حدّ المساواة بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل تنحاز بوضوح إلى الاحتلال، ما يخاطر بأن يكون من نتائجها منْح رخصة للعدو للإيغال في إراقة الدم الفلسطيني، إذ تدرك الأنظمة العربية أن إسرائيل حينما تقوم بدور «الضحية»، فإنها تفعل ذلك كمقدّمة لتوسيع عملية الانتقام، وهو ما انعكس في تصريح رئيس حكومة العدو، بنيامين نتنياهو، بعد اجتماع المجلس الوزاري المصغّر، بقوله إن «الإرهابيين وعائلاتهم سيدفعون الثمن، وسنجلبه من كل مَن يدعمهم»، مهدّداً بالردّ «بيد ثقيلة ودقيقة»، ومعلناً أن حكومته «ستتّخذ قريباً خطوات لتعزيز الاستيطان، كما أنها ستعجّل في منْح تراخيص حمْل السلاح لآلاف الإسرائيليين». وسارع وزير خارجيته، إيلي كوهين، إلى تلقّف بيانات الإدانة العربية، تمهيداً لانتقام يروي غليل المستوطنين والسياسيين المتطرّفين الذين يهيمنون على حكومة نتنياهو، من الدم الفلسطيني؛ إذ قال قبيل جلسة المجلس، إنه «يشكر قادة العالم، بمن فيهم من الدول العربية، الذين أرادوا مواساة الشعب الإسرائيلي، وأن يشدّوا من أزرنا».
تدلّ على هذا الواقع، مقارنة بسيطة بين بيانَين إماراتيين بفارق يوم واحد، الأوّل تناول المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال في مخيّم جنين في الضفة الغربية، وأسفرت عن استشهاد تسعة فلسطينيين. وكان بياناً مخفّفاً دعت فيه أبو ظبي، تل أبيب إلى «خفْض التصعيد وعدم اتّخاذ خطوات تُفاقِم التوتّر وعدم الاستقرار في المنطقة»، وكذلك إلى «وضْع حدٍّ للممارسات غير الشرعية التي تهدّد الوصول إلى حلّ الدولتين»، ولكن من دون أن تسمّي دولة الاحتلال. وأمّا البيان الثاني الذي تناول العملية الفدائية في القدس، فانطوى على «شحنة عاطفية» في الإدانة، حيث عبّرت الدولة الخليجية عن «استنكارها الشديد لهذه الأعمال الإجرامية»، ورفْضها الدائم «لجميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف زعزعة الأمن والاستقرار وتتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانية»، معربةً أيضاً عن «تعازيها إلى الحكومة الإسرائيلية وشعبها الصديق ومواساتها لأهالي وذوي الضحايا جراء هذه الجريمة النكراء».
وما لم يقله البيانان الرسميان الإماراتيان تولّى مقرّبون من النظام تظهيره، إذ وصف الأستاذ الجامعي الإماراتي، عبد الخالق عبد الله، القتلى الإسرائيليين بـ»المدنيين الأبرياء»، حين قال في تغريدة إن أيّ عمل مسلّح يستهدف «مدنيين أبرياء هو عمل إرهابي مرفوض بالمطلق».
أمّا الموقف السعودي، فعكس عمْق التطبيع غير العلني الذي انخرط فيه ولي العهد، محمد بن سلمان، مع العدو، ليساوي أيضاً بين المحتلّ الإسرائيلي والفلسطيني المحتلّة أرضه، عن طريق «إدانة كل استهدافٍ للمدنيين»، بحسب ما ورد في بيان لوزارة الخارجية السعودية، التي حذّرت من «انزلاق الأوضاع بين الفلسطينيين والإسرائيليين إلى المزيد من التصعيد الخطير». ومع ذلك، اختلف الموقف السعودي عن الإماراتي، إذ كانت المملكة قد عبّرت بعد مجزرة جنين عن رفضها التامّ لما تقوم به قوات الاحتلال من انتهاكات خطيرة للقانون الدولي، وأعربت عن تعازيها لحكومة وشعب فلسطين بشهداء المجزرة.
بعض بيانات الإدانة العربية لهجوم القدس تمنح العدوّ رخصةً للإيغال في إراقة الدم الفلسطيني


المساواة بين الضحية والجلاد ميّزت أيضاً موقف نظام البحرين، الذي وردت في بيان وزارة خارجيته دعوة إلى «اتّخاذ الخطوات العاجلة والفاعلة لوقْف حالة التصعيد الخطيرة والمدانة التي ذهب ضحيتها مدنيون فلسطينيون وإسرائيليون». وحتى الموقف العُماني من هجوم القدس، جاء خارج السياق المعتاد، باعتبار أن مجلس الشورى في السلطنة كان قد اتّخذ قراراً بتوسيع مقاطعة إسرائيل، مثيراً استياء حكومة الاحتلال. فقد عبّرت السلطنة، في بيان لوزارة خارجيتها، عن «رفض وإدانة جميع أشكال العنف والإرهاب التي تستهدف المدنيين وتزعزع الأمن والاستقرار»، داعية «المجتمع الدولي إلى تحمّل مسؤولياته نحو وقف التصعيد الخطير الذي تشهده الأراضي الفلسطينية المحتلّة».
وحدها قطر، تجاهلت تماماً العملية الفدائية بعدما كانت قد أصدرت بياناً دانت فيه بأشدّ العبارات العدوان الإسرائيلي الوحشي على مخيّم جنين، واعتبرته امتداداً لجرائم الاحتلال الشنيعة والمروّعة بحقّ الشعب الفلسطيني الأعزل، مؤكدة أن «الاحتلال الإسرائيلي أصبح مطمئنّاً أكثر من أيّ وقت مضى لعدم المساءلة والإفلات من العقاب، ما شجّعه على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات بحقّ أبناء الشعب الفلسطيني الشقيق، وقتل المدنيين، ومن ضمنهم الأطفال والنساء والمسنّون، واستباحة المستشفيات والمرافق المدنية الحيوية».
ولم يخرج موقفا مصر والأردن عن السياق الذي يتّخذه البلدان منذ توقيع كل منهما معاهدة سلام مع العدو، فأعربت وزارة الخارجية المصرية عن «رفضها التام واستنكارها الشديد للهجوم الذي شهدته القدس الشرقية»، مؤكدة «إدانتها لكل العمليات التي تستهدف المدنيين»، ومطالبةً بـ»ممارسة أقصى درجات ضبط النفس، ووقْف الاعتداءات والإجراءات الاستفزازية لتجنّب الانزلاق إلى حلقة مفرغة من العنف الذى يزيد الوضع السياسي والإنساني تأزّماً». من جهته، دان الناطق الرسمي باسم وزارة الخارجية الأردنية، سنان المجالي، في بيان، «الهجوم الذي استهدف مدنيين في كنيس في القدس الشرقية»، و»كل أعمال العنف التي تستهدف المدنيين في الأراضي الفلسطينية المحتلّة».