رام الله | تنفّس الفلسطينيون الصعداء، فيما جرّ جيش الاحتلال وقواته الخاصة ووحدات نخبته أذيال الخيبة صباح أمس من البلدة القديمة في مدينة نابلس، عقب فشل عملية واسعة لاعتقال أحد مقاومي مجموعة «عرين الأسود». وأنبأ هذا الفشل بجملة حقائق أهمّها قدرة المقاومة على إحباط عمليات العدو، وضرب جنوده بقوة بالرصاص والعبوات المتفجّرة، في ما سيكون من شأنه ترسيخ معادلة جديدة في حالة الاشتباك المستمرّة، أهمّها يقظة المقاومين، وجدّية استنفارهم، وقراءتهم الأمنية والاستخباراتية الصائبة، ومتابعتهم الميدانية الدقيقة، والتي تتيح لهم تجنّب الخسائر بل وإلحاقها بصفوف العدو حتى وانْ تكتّم عليها الأخير. والأهمّ من ذلك أن مجموعة «عرين الأسود» بشكل خاص، والمقاومة بشكل عام، لا تزال بخير، على عكس ما روّج له الاحتلال أخيراً من اجتثاثه للمجموعة.وتكشف تفاصيل العملية أن العدو كان ينوي ارتكاب مجزرة ضدّ أهداف ثقيلة. إذ تسلّلت إلى البلدة القديمة، في تمام الساعة السادسة صباحاً، قوات خاصة إسرائيلية متخفّية بهيئة تجّار ملابس، مستهدِفةً أحد أبرز المطلوبين من مؤسّسي «العرين». لكن الوحدة كانت تحت رصد المقاومين، الذين انقضّوا عليها واشتبكوا معها لساعات، قبل أن يعلنوا أنهم «حققوا فيها بالغ الإصابات، فيما لم يصَب أيّ أسد من أسود العرين أو المقاومة بأيّ أذى». ولا تزال «عرين الأسود» ومجموعات المقاومة في مدينة نابلس ذات حضور في الشارع، كما تحظى دعواتها باستجابة شعبية كبيرة، ولم تتوقّف عملياتها على حواجز جيش الاحتلال ومعسكراته. ولذا، أراد العدو توجيه ضربة قوية لها، من خلال عملية عسكرية واسعة، بعد ساعات فقط من إعلانها حالة الاستنفار والاستعداد في صفوف مقاتليها ومقاتلي الفصائل، وذلك في محاولة لضرب روحهم المعنوية، وإحباط حاضنتهم، وهو ما قرأته «العرين» جيداً، بقولها في بيانها عقب العملية: «أيها الأغبياء، أنُحذر مقاتلينا قبل ساعات ونُغدر فجراً؟ لا والله الذي رفع السماوات بلا عمد إنا كنا نعلم بأمر جلل، وتَجهزنا له جيداً وحذرنا منه وأعلنا النفير، وحاصرناكم ولم تحاصرونا في كلّ زقاق وفي كلّ بيت»، مضيفة: «نقول لقائد وحدة اليمام الذي قال إن العرين ينتهي عندما ندخل البلدة القديمة وننفذ اعتقالاً هادئاً، إن هذا زمانٌ ولّى ولن يعود، وسيرى العرين وشعب العرين من سيحاصر من».
أمّا في رام الله، فتعرّضت مستوطنة «عوفرا» لثلاث عمليات إطلاق نار خلال أقلّ من 24 ساعة، كان آخرها عصر الأربعاء، وأعقبها استنفار كبير لجيش الاحتلال في المنطقة، أُغلقت معه مداخل القرى والبلدات المحيطة، وشُنت حملة تفتيش وملاحقة، اغتال خلالها الجنود الإسرائيليون الشاب مجاهد النجار من بلدة سلواد بدعوى تنفيذه عملية إطلاق النار. ويأتي ذلك في وقت دخلت فيه عملية «كاسر الأمواج» التي أطلقها العدو لاجتثاث المقاومة في الضفة الغربية، شهرها العاشر، محمَّلة بفشل ذريع أمام أمواجٍ أعلى وأقوى من الفعل المقاوم، حيث امتدّ الاشتباك من شمال الضفة إلى جنوبها، ليسجَّل في الـ24 ساعة الماضية 15 عملاً فدائياً، بينها 3 عمليات إطلاق نار في رام الله والخليل. وبينما باتت الخليل حاضرة بقوة في المشهد، رسّخت مواقع جديدة بصماتها أيضاً، من مثل بلدة بيت أمر التي شهدت أمس اشتباكاً مسلّحاً بعد عدة اشتباكات سابقة، وعملية جريئة لمقاومَين ترجّلا من سيارة كانا يقودانها وأطلقا النار بواسطة مسدّس مصنع على سيارة إسرائيلية كان بداخلها ضابط في جيش الاحتلال وانسحبا من المكان بسلام. وفي أعقاب معاينته موقع العملية، عثر الجيش الإسرائيلي على ورقة كتب فيها: «كتيبة إبراهيم النابلسي والموت للمحتل»، في وقت نقل فيه موقع «واللا» العبري عن فرقة الضفة في جيش الاحتلال تأكيدها «ارتفاع عدد عمليات إطلاق النار خلال الأسبوع الجاري».
يُرجَّح تنفيذ فلسطينيي الداخل عمليات دامية خلال مواجهات مستقبلية


وحمل شهر تشرين الأول مؤشرات إلى تصاعد حالة المقاومة وأشكالها في الضفة، بما فيها عمليات نوعية أدت إلى مقتل 6 مستوطنين وإصابة 96 آخرين بجروح مختلفة، في الوقت الذي استشهد فيه 20 فلسطينياً وأصيب 428 آخرون. وجرى توثيق 1029 عملية مقاومة، أبرزها عملية القدس التفجيرية المزدوجة، وعملية الطعن والدهس المزدوجة قرب مستوطنة آرائيل، في حين بلغ عدد حوادث إطلاق النار والاشتباك المسلح نحو 80، 43 منها في جنين، ووصلت عمليات إلقاء أو زرع عبوات ناسفة إلى 28، والزجاجات الحارقة إلى 21، والمفرقعات النارية إلى خمس، فضلاً عن عملية حرق منشآت وآليات وأماكن عسكرية. ومنذ بداية العام الجاري، بلغ مجموع القتلى في صفوف جنود الاحتلال والمستوطنين 31، وهو الرقم الأعلى في عام واحد منذ 2015.
هذا الواقع بات يفرض نفسه بقوة على دولة الاحتلال. وعلى ضوء ذلك، طلب وزير الحرب، بيني غانتس، من قواته الاستعداد لاحتمال وقوع حوادث تؤدي إلى تصعيدٍ خطيرٍ «يمكن أنْ تنضمّ إليه غزة»، بينما قال رئيس شعبة الأبحاث في الاستخبارات العسكرية (أمان)، العميد عميت ساعر، في المؤتمر الشتائي لمعهد «غازيت» في تل أبيب، وهو معهد مختصّ بالدراسات الاستخباراتية، إنّه «للمرة الأولى يلاحظ بداية انهيار عملية إدارة النزاع مع الفلسطينيين»، مضيفاً أن «مَن يعتقد أن الفلسطينيين تخلّوا عن هدفهم الوطنيّ مخطئ، فهم لم يتخلّوا عنه». بدوره، أشار ضابط في الاستخبارات إلى أن ما يُقلقه ويقضّ مضاجعه أكثر من المسلّحين، هم مئات الشبان الفلسطينيين الذين يرمون الحجارة كلّ ليلة تقريباً على قوّات الجيش، مُعتبراً أن «الضفة الغربية وإيران تشكّلان المصدرَين الأساسيَين للتهديد في السنة الحالية»، علماً أن التقدير الاستراتيجي الرسمي لكيان الاحتلال يضع إيران في المرتبة الأولى، معتبراً إيّاها تهديداً استراتيجياً وجودياً، يليها «حزب الله» اللبناني، وفي المرتبة الثالثة المقاومة الفلسطينيّة في قطاع غزّة.
على أن القلق الأمني لا ينحصر بالضفة وغزة، بل يمتدّ ليشمل الفلسطينيين داخل الخطّ الأخضر. إذ حذر ضابط الشرطة في الاحتياط ومسؤول لواء الجنوب السابق، أوري بار ليف، من اندلاع مواجهات عنيفة في مدن الداخل الفلسطيني المحتل، وذلك بشكل أشدّ بأضعاف من الأحداث التي وقعت إبان «هبة الكرامة»، قائلاً إن «أحداث أيار 2021 تعتبر تجربة مصغرة فقط عن المتوقّع حدوثه خلال الفترة المقبلة، حيث يُتوقع تفجر الأوضاع في المدن المختلطة ومن دون سابق إنذار». ونبه بار ليف إلى أنه «يُرجَّح أيضاً تنفيذ فلسطينيي الداخل عمليات دامية خلال مواجهات مستقبلية»، معتبراً أن شرطة الاحتلال غير مستعدة لمواجهة أحداث كهذه، «وأنه لم يتمّ بعد استخلاص العِبر من أحداث العام الماضي».