غزة | يقدّم اللقاء بواحد من الجنود الذين يقودهم خالد منصور بشكل مباشر، تصوّراً مقارباً عن شخصية القائد التاريخي الملهم؛ فهم يحاكونه تماماً، في أسلوب الحديث، والاهتمام بالرياضة وبناء الجسم؛ في الآراء السياسية، والعقلية العسكرية، حتى إنهم يخلّلون كلامهم كثيراً من الأقوال التي يكرّرها، مِن مِثل: «إسرائيل قادرة بسلوكها الهمجي على أن تحوّل شعباً كاملاً إلى قنابل».يمتلك ابن مدينة رفح، كاريزما قيادية خاصة؛ فإلى جانب ذكائه الحادّ وعقليّته الأمنية التي حافظ بفضلها على قيادته للعمل العسكري لأكثر من 25 عاماً، فهو الأكثر قرباً إلى القواعد العسكرية والجنود، يعرفهم بأسمائهم، ويناديهم بأحبّ الألقاب إليهم. يقول أحد رفاقه: «كان أبو راغب دقيقاً في علاقاته الإنسانية، دقيقاً في انتقاء الألقاب والأسماء التي ينادي بها الجنود، حتى إنه يتحرّى على نحو أمني عن أحبّ أسمائنا إلينا، ويفاجئنا في ذات مجلس أمام الجمع، بأنْ يخاطبنا بأحبّ وأطرف الألقاب».
ووفقاً لموقع الإعلام الحربي التابع لـ«سرايا القدس»، فقد انتمى منصور إلى «الجهاد الإسلامي» منذ نعومة أظفاره، وشارك في تنفيذ عمليات جهادية منذ عام 1987، عبر الانتماء إلى التشكيلات العسكرية المتعاقبة التابعة للحركة، إلى أن لمع نجمه مع اندلاع «انتفاضة الأقصى» عام 2000، من خلال دوره الفاعل في تأسيس «سرايا القدس»، حيث كان العقل المدبّر لسلسلة عمليات فدائية كبيرة ضدّ أهداف إسرائيلية. كما تولّى قيادة الوحدة الصاروخية العامة طوال سنوات، قبل أن يقود لواء الجنوب - أكبر ألوية «سرايا القدس» العسكرية - الذي يضمّ مدينتَي رفح وخانيونس.
غير أن ما هو أكثر تشويقاً في شخصية «قائد لواء الجنوب»، هو تَقدّمه الجنود في المحطّات الصعبة؛ إذ يَذكر رفيقه أبو إبراهيم، أن منصور دعا كلّ جنود «الوحدة الصاروخية» التي كان يقودها سابقاً، إلى المشاركة في تدريب تنشيطي، وكان عليهم أن يقطعوا المسافة من بيت حانون حتى مدينة خانيونس هرولة على الأقدام من دون توقّف. ويضيف: «نحن نتحدّث عن مسافة تتجاوز الـ30 كيلومتراً، استعددنا لأيام لنتجاوز هذا التدريب القاسي، وفي مساء ذلك اليوم، فوجئنا بأن أبو راغب يتقدّم صفوف الجنود، ويشارك معنا حتى النهاية».
وضعت إسرائيل أبو راغب (47 عاماً) على قائمة أبرز المطلوبين، وقد هدّد رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق، بنيامين نتنياهو، بقتله عقب اتّهامه بمقتل ثلاثة مستوطنين خلال قصف لمدينة عسقلان عام 2019. غير أن حضوره في المشهد المقاوم يمتدّ طوال ثلاثين عاماً؛ فقد انتمى إلى الذراع العسكرية الأولى لـ«الجهاد»، «سيف الإسلام»، عام 1988، ثمّ انتقل مطلع التسعينيات إلى الجناح العسكري الثاني الذي عُرف باسم «القوى الإسلامية المجاهدة - قسم». وفي عام 1994، شارك بشكل شخصي في تنفيذ عملية فدائية أدّت إلى مقتل جنديَّين إسرائيليَّين. كما تفيد مواقع عبرية بأن منصور كان المسؤول عن قتل الضابط براتبة «رائد» في قوات النخبة »غولاني»، إليراز بيرتس، عام 2010 عقب توغّله مسافة 200 متر في الأراضي الحدودية المحاذية لـ«كيبوتس نيريم».
عُرف منصور بحبّه للرياضة، ولا سيما رياضة «كمال الأجسام» التي برع فيها، وحصل على ميداليات ذهبية عدّة، وفاز ببطولة فلسطين مرّتين في هذه اللعبة عامَي 1996 و1997. نجا أبو راغب من محاولات اغتيال عدّة، أبرزها في حرب عام 2014، كما دمّر الاحتلال منزله عدّة مرّات. وفي مساء أول من أمس، نجحت إسرائيل أخيراً في اغتياله في عملية مشتركة شارك فيها كلّ من الجيش وجهاز المخابرات العامة «الشاباك»، واستهدفت عمارة سكنية كان يتواجد فيها برفقة الشهيدَين زياد المدلل ورأفت شيخ العيد، إلى جانب ثلاثة مدنيين آخرين. ووصفت «سرايا القدس»، في بيان النعي، منصور، بـ«الشهيد الكبير قائد المنطقة الجنوبية فيها». وأضافت: «خالد منصور صاحب التاريخ المشرّف، والحافل بالجهاد والتضحية، وبالثبات والفداء والعمليات النوعية والجهادية، ذلك القائد الذي شارك في كلّ محطّات العمل والبناء والتأسيس، ليلتحق بأخيه وصاحبه في مسيرة الجهاد الشهيد الشيخ تيسير الجعبري».