غزة | لم يَدُم استقرار الرواتب الحكومية في غزة طويلاً؛ فبعد عدّة أشهر من محافظة الموظّفين على نسبة 60% من راتبهم، بحدٍ أدنى قدره 1800 شيكل (530$)، عاد الحديث، أخيراً، عن أزمة مالية جديدة تقاسيها الحكومة، ستؤثّر على نسبة صرف الدفعة الشهرية. وبحسب رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، سلامة معروف، فإنه، في ظلّ الإيرادات الحاليّة، «من المستحيل المحافَظة على نسبة صرف رواتب الموظفين على حالها»، موضحاً، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الحكومة اضطرّت في خلال أزمة الغلاء العالمية إلى التدخُّل المباشر لدعم بعض السلع الأساسية، ولا سيما الوقود الذي يشكِّل أحد الروافد المهمّة للموازنة الحكومية، وأسهم ذلك في تناقص الواردات، ما اضطرّ وزارة المالية إلى الاقتراض من المصارف المحليّة لتغطية فاتورة الرواتب». ولفت معروف إلى أن «الزيادة على سعر كوب السولار دوليّاً، وصلت إلى 710 دولارات لكل كوب، ما يعني أن ثمة زيادة على السعر بواقع 100%، فيما لم تتجاوز الزيادة في السوق المحلية هامش الـ 14%، وذلك لأن الحكومة في غزة تحمّلت الفارق».ووسط الجدل الذي تسبّب به الحديث عن تقليص صرف رواتب الموظفين الشهر الجاري، أكد معروف أن من المقرَّر أن يتمّ، في اليومين المقبلين، «وضْعُ النقاط على الحروف»، إذ لم يُحدَّد بعد ما ستؤول إليه نسبة الصرف حتى الآن. لكن نقيب الموظّفين في غزة أكد أنه تواصل مع رئاسة لجنة «متابعة العمل الحكومي» التي «أكدت عدم وجود قرار حتى اللحظة بتخفيض نسبة الرواتب»، مطالباً إيّاها بأن لا يكون حلّ الأزمة المالية على حساب الموظّفين. ومع أن اللجنة أعلنت اتباع ما سمّته «خطّة تقشّف» لتجاوز الأزمة القائمة تتضمّن تخفيض النفقات التشغيلية لمختلف الوزارات ووقف بعض المشاريع التطويرية، إلّا أن الخبير الاقتصادي، محمد أبوجياب، توقّع أن لا تستمرّ الأزمة المالية طويلاً. وقال، في حديثه إلى «الأخبار»: «سترتاح المالية في غزة خلال المدّة القادمة من دعم منتجات رئيسيّة كالقمح والوقود الذي انخفض سعره عالمياً. وعليه، من المتوقّع أن تعود إلى واقعها المالي المعتاد، بعدما كانت تفقد 17 مليون شيكل شهرياً في ملفّ المحروقات، وهو ما دفعها إلى الاستدانة من المصارف خلال الأشهر الثلاثة الماضية لسدّ العجز».
ترجّح مصادر مقرّبة من المقاومة أن تشهد الأيام المقبلة إعادة تدريجية لتسخين الميدان


ومع ذلك، نوّه أبوجياب إلى أن السياسات المالية في القطاع لا تحظى بأيّ بُعدٍ استراتيجي، إذ إن الحكومة لا تمتلك صندوقاً استثمارياً ولا مشاريع مستدامة تؤمّنها في أوقات الأزمات، ما يعني أن سياسة الأزمات المتجدّدة والمستمرّة منذ سنوات لن تشهد تغييراً في المدى المنظور.
يذكر أنه، منذ عام 2013، لم يتقاضَ موظّفو الحكومة في غزة رواتب كاملة، إذ أسهم عزل الرئيس المصري السابق محمد مرسي، وإغلاق الأنفاق التجارية الحدودية مع مصر، في تجفيف قدْر كبير من الواردات المالية، ما دفع الحكومة إلى تقليص نسبة الصرف إلى 40%، بحدٍّ أدنى قدره 1000 شيكل، كان يتقاضاها الموظّفون مرّة كل 50 يوماً، قبل أن تتحسّن نسبة الصرف في عام 2014 لتصل إلى 45%، ثم إلى 50% عام 2017، وكانت الزيادة الفارقة في نسبة الراتب في عام 2021، عندما بلغت نسبة الصرف - للمرّة الأولى منذ تسع سنوات - 60%، بحدٍّ أدنى قدره 1800 شيكل، فضلاً عن انتظام فترة صرف الرواتب بواقع مرّة كل 30 يوماً، علماً بأن عدد الموظفين التابعين للحكومة في غزة يبلغ 50 ألف موظف، يعملون في القطاعَين المدني والعسكري.
وتشكّل جباية الضرائب على البضائع المستورَدة عبر معبر كرم أبو سالم جنوب قطاع غزة، عمادَ الموازنة الحكومية؛ وقد واجهت لجنة «متابعة العمل الحكومي» في القطاع انتقادات شعبية واسعة إثر قيامها برفع الضرائب على السلع الاستهلاكية، ولا سيما الملابس والأقمشة، فيما تذرّعت وزارة الاقتصاد بأن الهدف من التعليمات الجديدة هو «حماية المنتَج الوطني».
وعلى وقع الأزمة المالية، رجّحت مصادر مقرّبة من المقاومة أن تشهد الأيام المقبلة إعادة تدريجية لتسخين الميدان، إذ من المتوقَّع العودة إلى فعاليات إطلاق البالونات الحارقة تجاه الأراضي الزراعية المحيطة بغلاف غزة. وكان عضو المكتب السياسي لـ«حماس»، خليل الحية، قد قال على هامش لقاء نخبوي، الأسبوع الماضي، إن «حصار غزة يُراد منه كسْر إرادة شعبنا بسبب مقاومتنا التي صنعت معادلات ضدّ الاحتلال»، مشدداً على أنه «لا يمكن قبول بقاء شعبنا جائعاً، لأن الانفجار في مثل هكذا ظروف ليس مستبعداً».