جنين | مجدّداً، شنّ جيش العدو عملية خاطفة في جنين، بدأت في ساعات ما قبل ظهر أمس وتخلّلتها اشتباكات مسلّحة، بعد ساعات من تحليق مكثّف لطائرات الاستطلاع في سماء المخيّم. ويشي ذلك بأن إسرائيل ماضية في اتّباع أسلوب «الضربات السريعة المركّزة» ضدّ المقاومين، على رغم إدراكها أنها تحتاج إلى تنفيذ العشرات منها حتى يبدأ تأثيرها الفعلي بالظهور، نظراً إلى العدد الكبير من المسلّحين الفلسطينيين. وبدأ الاقتحام الأخير بتسلُّل قوّة خاصة إسرائيلية تُدعى «يمام»، تبعتْها على الفور قوّة إسناد كبيرة من آليات العدو العسكرية، لتشرع في عملية محاصرة منزل عائلة الطوباسي في حيّ الهدف الملاصق لمخيّم جنين، حيث «اعتَقل الجنود محمد حسام الطوباسي وكبّلوه، ثمّ أجروا استجواباً ميدانياً للشاب إياد الطوباسي مع ضربه والتنكيل به قبل الإفراج عنه»، بحسب مصادر محلّية. وعلى رغم أن توقيت الاقتحام كان غير معتاد، إلّا أن المقاومين هرعوا لمحاولة فكّ الحصار عن المنزل، لتندلع إثر ذلك اشتباكات مسلّحة واسعة، أدّت إلى تضرُّر إحدى مركبات جيش الاحتلال بحسب الرواية المحلّية الفلسطينية، فيما استمرّ إطلاق النار من قِبَل المقاومين حتى انسحاب القوّات المقتحِمة من حيّ الهدف، حيث أصيب خلال العملية ثلاثة فلسطينيين، اثنان منهم بالرصاص الحيّ. واستَخدم العدو أسلوب التمويه والخداع، بإطلاق طائرات استطلاع لتُحلّق بشكل مكثّف في الليلة التي سبقت الاقتحام، في محاولة لإنهاك المقاومين وإرباك وحدات الرصد الميداني، من خلال إيقاظهم ليلاً وإيقاعهم في مصيدة «اقتحام مزيّف» حتى ساعات الصباح، قبل أن يقتحم هو المكان عندما يكون التعب قد نال منهم وانسحبوا للراحة. وعلى رغم أن المقاومين انتشروا بأعداد كبيرة، بالفعل، في أزقّة مخيم جنين لدى تحليق الطائرات، إلّا أنهم عادوا وأثبتوا جهوزية عالية عند تصدّيهم للقوات المقتحِمة قبيل الظهيرة.
وشكّل حيّ الهدف الملاصق لمخيم جنين هدفاً دائماً للعمليات الإسرائيلية الأخيرة، والتي تركّزت عليه منذ مقتل ضابط القوّة الخاصة «يمام» أخيراً، إذ شهد الحيّ اقتحامَين خلال أسبوع، اعتُقل في أوّلهما الشاب أسيد تركمان، وفي الثاني محمد الطوباسي، بعدما شهد «الهدف» محاصرة منزل عائلة الدبعي في اليوم نفسه الذي قُتل فيه الضابط المذكور، علماً أن منظومة أمن العدو لم تعلن عن أيّ تفاصيل حول هوية المقاومين الذين أطلقوا النار عليه. وبحسب الرواية الإسرائيلية لعملية الأمس، فإن قوات من وحدات مختلفة هي: «جولاني»، «دوفدوفان»، «حرس الحدود»، وجهاز «الشاباك»، نفّذت العملية العسكرية في «الهدف»، حيث وقع تبادل لإطلاق نار أصيب خلاله أحد المقاومين، فيما جرى اعتقال مطلوب وضبط بندقيتَين من طراز «M16» وسترة عسكرية.
في جنين، يبدو المشهد السياسي مختلفاً، فلا اعتبار له مقارنة بالمشهد الميداني


والمعتقَل محمد حسام الطوباسي هو أسير محرَّر، واعتُقل سابقاً 8 سنوات في السجون الإسرائيلية، ويعمل ضابطاً في جهاز الأمن الوقائي التابع للسلطة، بينما أشقّاؤه ينتمون إلى حركة «الجهاد الإسلامي»، وهم الشهيدان أحمد وإسلام، والأسير سعيد، وقد هدم العدو بيتهم عدّة مرّات. وتعود جذور عائلة الوالد حسام الطوباسي إلى قرية زرعين في قضاء حيفا، والتي هجّرت العصابات الصهيونية أهلها إبان النكبة. وعمل الأسير سعيد في تجنيد الاستشهاديين والمقاومين ضمن صفوف «سرايا القدس» في الانتفاضة الثانية، وكان له دور بارز في معركة مخيم جنين عام 2002، وجرى اعتقاله بعد إشرافه على سلسلة عمليات آخرها عملية «كركور» المزدوجة التي نفّذها الاستشهاديان أشرف الأسمر ومحمد حسنين، والتي أدّت إلى مقتل 14 جندياً إسرائيلياً وإصابة آخرين، والآن يقبع سعيد في سجون العدو، وهو محكوم بالسجن 32 مؤبداً. أمّا الشهيد أحمد الطوباسي، فقد ارتقى في اشتباك مسلّح برفقة الشهيد نضال أبو سعدة في بداية عام 2006، داخل بلدة عرابة جنوب جنين، حيث كانا مطلوبَين لإسرائيل ومن قادة «سرايا القدس» في شمال الضفة، واكتشفا مركبة مدنية يستقلّها جنود إسرائيليون، فاشتبكا معها في الشوارع حتى استشهدا، بينما استشهد إسلام الطوباسي في أيلول من عام 2013، خلال عملية عسكرية كان الهدف منها مجاهدين آخرين، لكنّ العدو أطلق النار على إسلام وتركه ينزف حتى قضى نحبه على سطح منزله.
وشهد العام الأخير تصاعداً ملحوظاً في انخراط عناصر من حركة «فتح» وأمن السلطة الفلسطينية في تنفيذ عمليات إطلاق نار ضدّ جيش العدو أو محاولة ذلك. وبحسب مصادر «الأخبار»، فإن عدداً من كوادر «فتح»، ومنهم داوود الزبيدي، شاركوا في إمداد مقاومي «سرايا القدس» بالذخيرة، وكانوا على علاقة وثيقة معهم. وتَلفت المصادر إلى أنه «في جنين، يبدو المشهد السياسي مختلفاً، فلا اعتبار له مقارنة بالمشهد الميداني، وسبب ذلك هو الإرث النضالي والتاريخي لمخيم جنين، وما يحمله من عمل مقاوم وحدوي». وبينما تتصاعد حالة المقاومة في جنين، تتوسّع معها ظاهرة الاشتباك في عموم الضفة الغربية؛ ففي بلدة جبع جنوباً، تستمرّ الاشتباكات المسلّحة مع جيش العدو عند الاقتحامات الليلية، وآخرها اشتباك ليلة الثلاثاء الماضي. وتنشط مجموعات الشهيد أمجد الفاخوري التابعة لـ«كتائب الأقصى» في هذه البلدة، على الرغم من اعتقال عدد من المطلوبين والنشطاء المحسوبين على حركة «فتح» قبل أشهر، ما يطرح علامات استفهام حول جدوى الاعتقالات الإسرائيلية للنشطاء لإخماد نار الاشتباك المستعر منذ عام ونصف عام.