كشف تحقيق استقصائي لصحيفة «هآرتس» العبرية اليوم، عن حيثيات المداهمة التي شنتها شرطة العدو الإسرائيلي قبل نحو شهر في قرية أبو تلول في النقب، وتضمنت عملية إنزال جوّي من مروحية على سطح أحد المنازل هناك.
ومن التحقيق الذي استعرضته الصحيفة تبين أن العملية ليست سوى مداهمة «استعراضية». وعلى ما يبدو فإن هدفها بث الرعب في نفوس فلسطينيي النقب، ومعاقبتهم بسبب مشاركتهم في «هبة الكرامة» في أيار الماضي من جهة، وإجراء تمرين عسكري من جهة أخرى.

وفي التفاصيل، بدأت شرطة العدو في 24 تشرين الثاني الماضي «نشاطاً مكثفاً ضد بؤر الجريمة» في بلدات النقب الفلسطينية. وأطلقت على العملية اسم «المسار الآمن»؛ حيث من المفترض أنها تهدف «لتجفيف منابع الجريمة الاقتصادية، ومكافحتها». وفي حينه أُعلن عن مشاركة 1200 شرطي وعنصر من الوحدات الخاصة. كشف هؤلاء في «حملتهم» عن «حقول مخدرات القنب، و55 كيلوغراماً من الحشيش، وكيلوغرام من الكوكايين، وثلاث بنادق من نوع كارلو، وأمشاط ذخيرة. كما ألقي القبض على 12 مشتبهاً بمخالفات جنائية، إلى جانب التحقيق مع 12 مشتبهاً فيهم آخرين».

وفي يوم المداهمة، أعلن المفتش العام لشرطة العدو يعكوف (كوبي) شبتاي أنه «سنصل إليهم، لمنازلهم، في أي وقت وفي أي ساعة»، فيما قال وزير الأمن الداخلي، عومر بار-ليف إنه «انتقلنا من مرحلة الدفاع إلى مرحلة الهجوم. من يعرضك للخطر، لا تنتظره حتى يأتي إليك، بل تذهب إلى منزله وتهاجمه هناك». وترافقت هذه التصريحات مع حملة عنصرية مسعورة ضد فلسطينيي النقب، سواء في وسائل الإعلام أم ميدانياً على مستوى رؤساء بلديات المستوطنات اليهودية، لا سيما «ديمونه»، و«بئر السبع».

وطبقاً للصحيفة العبرية فإن الشرطة أرادت الخروج في «صورة الانتصار» للمداهمة، ولذلك وثقت عملية إنزال لعناصر من وحدة «اليمام» (وحدة النخبة البوليسية الخاصة) من مروحية فوق بيوت الفلسطينيين في قرية أبو تلول المسلوبة الاعتراف في النقب. وفي ذلك اليوم، عرض «أولبان شيشي» (استوديو الجمعة) في «القناة 12»، شريطاً موثقاً يظهر فيه المفتش العام وهو يراقب ويتابع العملية من على تلة قريبة؛ حيث كان مراسل القناة، داني كشمارو بجانبه. وفي التقرير نفسه ظهر عناصر للشرطة وهم يفتشون منزل، حيث أعلن شبتاي «إتمام العملية». وعندها سأله المراسل الصحافي: «أهذه العملية المعقدة والكبيرة فقط من أجل دفيئة مخدرات صغيرة»؟ فأجاب المفتش العام: «محور الشر، كل شيء يبدأ بالمخدرات».

وفي الإطار، أشارت «هآرتس» إلى أنه لم يُعثر على أي شيء في المكان الذي هبطت فيه المروحية، كما لم يُلق القبض على أحد ولم يستجوب أحد!، وتابعت أنه «في الحقيقة، تبين أن المداهمة كانت مدبرة، وكانت الشرطة تعلم أنه لا يوجد مبرر للعملية، لأنهم قاموا بالفعل بمداهمة المكان قبل ساعات قليلة».

وأشارت إلى أن «العناصر الذين وُثقوا انضموا لأكثر من 20 شرطياً كانوا هناك (في أحد منازل أبو تلول) من قبل، إلا أنه في أخبار القناة 12، لم يعرفوا أن العملية استعراضية، وعندما سأل المراسل كشمارو المفتش العام ما إذا لم يكن ذلك عرضاً لوسائل الإعلام، تهرّب الأخير من الإجابة».

في غضون ذلك، قال الفلسطيني سالم أبو سبيلة، الذي هبطت الطائرة المروحية في ساحة منزله، إنه «في الساعة السادسة من صباح ذلك اليوم، أيقظه رجال شرطة ملثمون هو وأفراد عائلته، في خضم اقتحامهم للمنزل. أربعة أو خمسة منهم دخلوا غرفة النوم مسلحين؛ وحين سألت عما يجري قالوا: اخرس، ولا تتكلم». وتابع: «أخرجوني من المنزل بينما كانت زوجتي وأولادي يرون ما يحدث. وعندما سألت زوجتي ما الأمر، قام الشرطي بحركة مهدداً بضربها».
وطبقاً لما قاله أبو سبيلة، فإن ضابطين انتظرا خارج المنزل، وأخبراه بأن لديهم أمراً بتفتيش منزليّ أبو سبيلة (المتزوج من امرأتين). وعندما سألهم «هل ما يجري فوق القانون. أجابوا هذه وحدة لا إله لها... يمكننا ضربك وليس بإمكانك فعل شيء».
(أ ف ب )

وعقب إخلاء المنازل، أجرت الشرطة تفتيشاً معمقاً ومطولاً لكل البيوت والساحات المحيطة، فيما لم تعثر على شيء مثير للاشتباه. وبعد ذلك، يقول أبو سبيلة «طالبوني بالتوقيع على مستند أفيد فيه بأنه لم تحصل أضرار للمنزلين». وتابع: «انتهى التفتيش بين الساعة الثامنة، والثامنة ونصف صباحاً (بعد حوالي ساعتين ونصف من الاقتحام). وهنا جلسوا وصنعوا القهوة ــ ولم يكن ينقص سوى أن يفتحوا طاولة».

وأضاف أنه «في تمام الساعة 10:41، أي بعد أربع ساعات ونصف الساعة من اقتحام منزل أبو سبيلة وبعد ساعتين على الأقل من انتهاء التفتيش في المكان من دون نتائج، ظهرت مروحية فوقه وبدأت بعملية الإنزال». وأوضح أنه «سمعت في أحد التقارير الإخبارية العربية أنهم قفزوا من أعلى لمطاردة المجرمين الذين فروا، لكنهم لم يطاردوا أحداً، لقد حطت المروحية عند المنزل فقط». وأضاف «قفز اثنان إلى منزلي حيث كنت، واثنان إلى منزلي الآخر، ممسكين بالسلاح كما لو كانوا مستعدين في كل ثانية لظهور إرهابي أمامهم، ولكنهم كانوا يعرفون مسبقاً أنه لا يوجد شيء، لقد كنت في البيت في اللحظة ذاتها مع ستة أو سبعة عناصر من الشرطة حيث انتظروا في منزلي».

ولفت أبو سبيلة إلى أنه «هذه هي المرة الأولى التي أرى فيها شيئاً كهذا، لقد رأيته في أفلام الأكشن فقط. لم تدم القصة بأكملها أكثر من عشر دقائق (الإنزال الجوي). قدم العناصر عرضاً أنهم يركضون نحو المنازل، ثم خرجوا منها، ركبوا سيارة جيب وانطلقوا بعيداً». وتابع «قال عناصر الشرطة الآخرون (هذا هو، انتهينا). وتقريباً، غادر الجميع على الفور، وبقي ثلاثة أو أربعة لا مكان لهم في السيارات، وانتظروا حتى عادوا لأخذهم».

ووفق شهادة أبو سبيلة، فقد رأى في اليوم السابق لعملية الاقتحام أشخاصاً على التلة المشرفة على القرية، لكنه لم يولِ أهمية لذلك. فقط في وقت لاحق أدرك أنه شُكّلت قوة شرطية هناك، حيث كان المفتش واقفاً أثناء العملية. وأوضح أن «منازلنا تحت الجبل. كان مناسباً له أن ينظر من خلال منظار من الجبل على هذا التدريب».

وتابع شهادته: «يقولون في وسائل الإعلام ضبطنا، لكنهم لم يقبضوا على أي شيء ولم يأخذوا أي شخص حتى للاستجواب. عائلتنا عبارة عن 3000 شخص، لم يقتادوا حتى شخص واحد للتحقيق». وأضاف: «تم ضبط مخدرات في أماكن أخرى، وربطته وسائل الإعلام بالصور التي التقطوها عندي، كما لو أنها ضبطت هنا، يبدو لي أن عناصر الشرطة الذين كانوا ينتظرون عندي المروحية كانوا يعلمون أنه كان تمريناً، ولكن إذا كان الأمر كذلك، فيجب ألا يأتوا إليّ بأمر تفتيش لإخافة الأطفال. كيف يقومون بتمرين ويقفزون من أعلى أمام أعين الأطفال؟».
أمّا بالنسبة لمعاناة العائلة، فأشار أبو سبيلة إلى أن المداهمة أثرت سلباً في نفسية أطفاله وزوجته، و«هم بحاجة لعلاج نفسي». ولفت إلى أن طبيباً نفسياً قابل الأطفال قال إنهم قلقون بشأن الحادث ويعانون مخاوف وصعوبات في النوم.