بعد طول معاناة عاشها سُكان منطقة وادي غزة، في قطاع غزة، نجحت سُلطة المياه وجودة البيئة في إعادة تأهيل الوادي وتحويله إلى محمية طبيعية، وذلك بعد أشهر من تشغيل محطة المعالجة المركزية للمرّة الأولى.
لأكثر من رُبعِ قرن ظل الوادي مُكرهة صحية تتجمُّع فيها المياه العادمة وتتكاثر فيها القوارض والحشرات. يعدّ الوادي أحد المعالم الطبيعية الرئيسية في القطاع، وقد أعلنته السلطة الفلسطينية عام 1994 محمية طبيعية. وهو يمتدّ من خط الهدنة شرق غزة إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، ويبلغ طوله داخل القطاع 9 كلم.

يقولُ نعيم الخزندار (40 سنة)، وهو من سُكان الوادي، إنه بات «يستيقظ بلا الرائحة الكريهة التي تندلعُ من أعمدة الدُّخان التي تتصاعدُ من المنطقة، جراء احتراق النفايات في المكان، أو من المياه العادمة... أخيراً أستطيعُ فتح نوافذ منزلي!». يتّفق معه خليل شريف (32 سنة): «كانت ضريبة السكن في منطقة الوادي الكثير من الأمراض، لكن اليوم أكثر أمناً بفضل تشغيل المحطة».

يؤكد مدير عام المشاريع بوزارة الحُكم المحلي زهدي الغريز، أن «المياه الحالية التي تجري في أرض الوادي هي مياه نظيفة. المحطة بدأت العمل في شهر آذار كمرحلة تجريبية، وبدأنا بإدخال مياه الصرف الصحي من غزة والمناطق الوسطى والتي لا تقل عن 60 ألف متر مكعب يومياً». ويُضيف: «نطمحُ الآن لإعادة هذه المنطقة إلى ما كانت عليه سابقاً، وإعادة إحياء الحياة الطبيعية من جديد، وذلك من خلال مُعالجة المياه عبر أحواض ومحطات التحلية المُتمركزة شرق المُحافظة الوسطى». ويَتوقّع الغريز أن تُسهم مياه الأمطار القادمة في تطهير الوادي من المُخلفات، وتحسين جودة المياه الجوفية، مُشيراً إلى أن الوادي أصبح الآن أكثر قبولاً لأنه بيئة مناسبة لأصناف كثيرة من الحيوانات والنباتات، ولديه القدرة على أن يكون منطقة ترفيهية تجذب الناس من مناطق مختلفة.

يوضح مدير عام مصلحة مياه بلديات الساحل، منذر شبلاق، من جهته، إن محطة المعالجة أنشئت «بتمويل من بنك الائتمان الألماني للتنمية KFW، وبتنفيذ وإشراف من مصلحة مياه بلديات الساحل». ويلفت إلى وجود «مشروع مكمل لمحطة المعالجة، وذلك من خلال قيام مؤسسات دولية وأهلية، بمساندة الحملات الشعبية، بتنظيف مجرى الوادي». ويأمل شبلاق أن يكون المشروع «مصدراً لإنشاء العديد من المنتجعات السياحية على مقربة من الوادي، إضافة إلى ممارسة الأنشطة الزراعية كافة». إلا أن التحدّي، وفق شبلاق، يتمثّل في التزام جعل الوادي خالياً من القُمامة بمُختلف أنواعها «وهو ما يتطلّب تكاثف جهود الجميع في الوزارات واللجان المعنية».

ويوضح رئيس «المعهد الوطني للبيئة والتنمية» أحمد حلس، بدوره، أن «المُخطط المُقام لتطوير مجرى وادي غزة هو ركيزة وطنية بيئية... الوادي يمرّ بشكل متعرّج بستة أحياء فلسطينية، وهي مناطق غير موصولة بشبكات للصرف الصحي، وكان يتم التخلّص من هذه المياه في مجرى الوادي»، مُشيراً إلى تفاقُم الأزمة مع ازدياد أعداد السكان. كما أنّ «كمّية المياه غير المُعالجة التي كانت تصرف باتجاه الوادي تقدّر بنحو 25 ألف متر مكعب، في حين قام الاحتلال ببناء عدّة سدود على مسافة تتراوح بين 2 و3 كلم من القطاع، لحجب مياه الأمطار العذبة التي كانت تأتي من أودية الشعرية والرشراش والسَّمُوع والخليل، وتُقدّر كمّيتُها بـ 25 إلى 30 مليون متر مُكعب خلال فصل الشتاء وما بعده، من التدفُّق نحو الوادي وتغذية الخزان الجوفي».