«أكثر من نصف الضباط في الشرطة الإسرائيلية ومصلحة السجون، الذين يحملون رتباً رفيعة، حصلوا على شهادات أكاديمية من جامعات أجنبية لم تعد وزارة التربية والتعليم الإسرائيلية تعترف بها. وذلك من أجل استخدام هذه الشهادات للحصول على علاوة في الأجر». هذه خلاصة تقرير نشرته صحيفة «هآرتس» اليوم.
لم يكن ذلك الأمر الوحيد الذي كشفته الصحيفة، بل كشفت أيضاً أن هؤلاء الضباط تخرّجوا بعد أن أتمّوا دراستهم عن بعد. وفي السياق، نقلت الصحيفة عن ضابط رفيع سابق في الشرطة قوله، إن «الحصول على هذه الشهادات هو كذبة كبيرة، فقد طلب الضباط من أقرباء لهم إعداد الوظائف المطلوبة باللغة الإنكليزية، لأن الحصول على لقب أكاديمي في خضمّ عمل الشرطة الصعب هو أمر مستحيل، حيث لا وقت للدراسة، ولكن تلك طريقة للحصول على زيادة في الراتب».

في المقابل، قال ضباط من الشرطة إن الدراسة كانت «جدية للغاية»؛ حيث شملت دورات في صفوف عديدة في فلسطين المحتلة، إضافة إلى «امتحانات ووظائف»، ولكن لا يُعرف فعلاً إن كان الضباط أنفسهم قد تقدّموا لهذه الامتحانات أم أقرباء لهم، في ظل طريقة التعليم عن بعد.

وعلى هذه الخلفية، قال مسؤول في وزارة المالية إن اللقب الأكاديمي «يمنح ضابطاً برتبة متدنية، إضافةً على الراتب الشهري تُراوح بين 2000 إلى 2500 شيكل (700 دولار أميركي)». ونوّهت الصحيفة إلى أن هذه الإضافة تُحسب ضمن الراتب الأساسي للشرطي. أما بالنسبة إلى لقب الماجستير، فيُمنح الضابطُ في الشرطة اختصاراً كبيراً في الأقدمية بالعمل، من أجل الوصول إلى علاوة في الراتب، ولذلك يحصل الشرطي على علاوة بعشرات آلاف الشواقل سنوياً.

وأشارت الصحيفة إلى أنه رغم اعتراف وزارة المالية في حينه بالألقاب الجامعية لفروع الجامعات الأجنبية، شكّك مسؤولون في الشرطة والأكاديميا الإسرائيلية بمستوى التعليم فيها. وبحسب ما نقلته عن بروفيسور في إحدى الجامعات الإسرائيلية، فإن «أفراد مصلحة السجون جاؤوا إليّ (إلى البروفيسور) من أجل تبييض اللقب الذي حصلوا عليه في بريطانيا، مع اعترافهم بصعوبة اللغة الإنكليزية، وهذا لم يكن جديّاً».

وأظهر التحقيق الذي أجرته الصحيفة، أن إجراءات قضائية في محكمة العمل اتُّخذت في أعقاب توجّه عدد من الضباط في الشرطة ومصلحة السجون، طلباً للاعتراف بقسم من الجامعات الأجنبية، وإثر ذلك «اضطُرت التربية والتعليم إلى الاعتراف بالجامعات الأخرى».
ووفق المعطيات المنشورة، فإن «10 من بين 18 ضابطاً في أرفع المناصب في الشرطة، يحملون لقباً أكاديمياً واحداً على الأقل من جامعة أجنبية بواسطة فرعها في إسرائيل»، وإن «قسماً من هؤلاء الضباط حصلوا على عدة ألقاب من فروع الجامعات الأجنبية، وبضمنهم المفتّش العام للشرطة الإسرائيلية، يعقوب شبتاي، الذي حصل على لقبين جامعيين من جامعة ديربي في بريطانيا، ولقب أول في إدارة الأعمال ولقب ثانٍ في إدارة التربية».

أما نائب المفتش العام دافيد بيتان، «فقد حصل هو الآخر على لقبين: لقب أوّل في التربية من جامعة غرب لندن، ولقب في تربية البالغين من جامعة ديربي. كما «يحمل بيتان لقبين أوّلين من جامعات في إسرائيل». أما قائد لواء الجنوب في الشرطة، بيرتس عمار، «فحصل على لقبين أكاديميين من فروع الجامعات الأجنبية».

وبحسب ما قاله الضابط السابق فيني يحزقيلي، الذي يعمل حالياً محاضراً في جامعة حيفا، فإن «هؤلاء لا يتعلّمون في الحقيقة، وإنما يوكّلون شخصاً آخر ليكتب لهم الوظائف. والقانون الأول في الثقافة التنظيمية في الشرطة، هو أن الدراسة هي من أجل الشهادة وعلاوة الراتب فقط والأكاديميا، غير مهمة، لأن للوضع الميداني قوانين خاصة به».
وأضاف يحزقيلي أنه «تسود الشرطة ثقافة معاداة الفكر التي تقمع الرغبة بالدراسة. والثقافة داخل الشرطة تشجّع على استصدار شهادة فقط. وهكذا هم يغذّون الأكاديميا وأنفسهم (على مستوى الراتب)». وأشار إلى أنه «من الناحية التنظيمية، يتعيّن على الشرطي أن لا يبدو فضولياً ولا يطرح الأسئلة». وبحسبه، فإنه «بإمكان ضابط أن يخرج من الجامعة مع علامة 100، وعندما يصل إلى حادثة عنف في العائلة، يفتح الدفتر كي يرى ماذا ينبغي أن يفعل. لكنّ شريكه يقول له أغلق الدفتر، للميدان قوانينه الخاصة به».

وشدّد الضابط السابق، على أن «الشرطة بكل بساطة لا تريد ضباطاً يفكّرون. واسأل اليوم «كولونيل» في الشرطة عن عقيدة شرطة لندن، ليس لديه أدنى فكرة. وتوجد ثقافة في الشرطة مفادها ألا تطرح أسئلة، لا تنتقد، لا تعبّر عن شكوك، وهذا عكس كل ما تشجع الأكاديميا على فعله».

أما الضابط السابق في الشرطة، والخبير في علم الإجرام، داني غيمشي، فقال إنه «لو كان هذا الأمر متعلّقاً بي، لرفضت أي لقب أكاديمي تم الحصول عليه بواسطة فرع جامعة أجنبية. لأنها لم تستوفِ شروط أي مؤسسة أكاديمية جدّية». وبحسبه، فقد كان هو معارضاً لهذه الشهادات من فروع الجامعات الأجنبية منذ التسعينيات، عندما كان في منصب ضابط التربية في الشرطة، لكن في شعبة القوى البشرية في الشرطة، قرّروا الاعتراف بها. وأضاف غيمشي أن «هذا يعود كما يبدو إلى كون قسم من أفراد القوى البشرية حصلوا على ألقاب كهذه». وأشار إلى أنه «عندما طلبنا تفاصيل حول ماذا تعلّموا، أيّ امتحانات أجروا وما هي المصادر التي استخدموها، لم نتلقَّ تفاصيل كاملة».

وبحسب الصحيفة، فإن «الوضع مشابه في مصلحة السجون»؛ حيث «حصل أربعة من بين ستة يتولّون أرفع المناصب، على ألقاب أكاديمية من فروع جامعات أجنبية ليس معترفاً بها في إسرائيل. وهكذا هو الوضع أيضاً لدى نصف قادة السجون وقرابة نصف الضباط الكبار في مصلحة السجون».
في غضون ذلك، من غير الواضح لماذا أثارت الصحيفة القضية في هذا التوقيت، الذي برزت فيه سلسلة من الإخفاقات في أعقاب نجاح الأسرى الستة بالفرار من سجن «جلبوع» الشديد التحصين. ولعلّها أرادت من خلال كشف هذه «الفضيحة»، تحميل مسؤولية الفشل للضباط الكبار، سواء في مصلحة السجون أو الشرطة، الذين حصلوا على شهاداتهم الأكاديمية من جامعات غير معترف بها، وبطريقة التعليم عن بعد حيث من الممكن لأيّ كان أن يؤدّي امتحانات ووظائف الطالب.