على مدار الأعوام الماضية، واجهت المقاومة الفلسطينية عدواً داخلياً تمثّل في السلطة الفلسطينية وأدواتها الأمنية والسياسية، التي عملت على وأد المقاومة بالاعتقال والاغتيال والتنسيق الأمني مع الاحتلال. وخلال السنوات الأولى بعد قيام السلطة، عاشت الفصائل مراحل عصيبة، حيث تعرّضت حركتا «حماس» و«الجهاد الإسلامي» خصوصاً لحملة قمع واعتقال وتفكيك، شملت الزجّ بالآلاف من عناصرهما في السجون، ليتعرّضوا لأنواع مختلفة من التعذيب والترهيب استهدفت منعهم من الفعل المقاوم. وبدأ مسلسل المواجهة، تحديداً، عام 1994، بعدما ردّت «حركة الجهاد الإسلامي» على اغتيال الاحتلال القيادي فيها، هاني عابد، عبر عملية استشهادية ضدّ جنوده في قطاع غزة نفّذها أحد عناصرها وهو الشهيد هشام حمد، لتعمد السلطة إلى تنفيذ حملة اعتقالات واسعة ضدّ عناصر الحركة، توازياً مع منع الجماهير من إقامة مسيرة تشييع للشهيد، الأمر الذي أغضب الفصائل الأخرى، وخاصة «حماس» التي دعت إلى مسيرة رفضاً لهذه الإجراءات، وهو ما قابلته السلطة بارتكاب مجزرة بحق الفلسطينيين الذين تجمّعوا في مسجد فلسطين في غزة، أودت بحياة 17 منهم.
دشّنت تلك المجزرة سلسلة من الجرائم بحق الفصائل الفلسطينية، إذ شنّت بعدها السلطة سلسلة واسعة من الاعتقالات ضدّ عناصر المقاومة وصلت إلى درجة تفكيك بنيتها التنظيمية لعدّة سنوات. وعلى رغم تجاوز المقاومة بصعوبة إجراءات السلطة، وتنفيذها عمليات فدائية قبل انتفاضة الأقصى عام 2000، ورفضها الاقتتال الداخلي، إلا أن السلطة عمدت إلى إدانة تلك العمليات وملاحقة منفّذيها واعتقالهم وتسليم بعضهم لقوات الاحتلال، فيما تعرّض بعضهم لمحاكمات عسكرية وأخرى مدنية، وهو ما تمّ تبريره بـ«صالح استمرار عملية السلام». ومع انطلاق الانتفاضة، واصلت أجهزة أمن السلطة ملاحقة حركتَي «حماس» و«الجهاد» جزئياً، إلى أن وقعت عدّة مواجهات في غزة والضفة الغربية بين أنصار المقاومة وأجهزة أمن السلطة، أبرزها بسبب رفض الدكتور عبد العزيز الرنتيسي عام 2001 تسليم نفسه للأجهزة الأمنية بعد مسيرة مسلّحة جابت مدينة غزة، وتجمهر أنصار المقاومة أمام منزله رفضاً لاعتقاله بعد إشهاره السلاح ودعوته إلى المقاومة المسلّحة في وجه الاحتلال. ومَثّل إعلان مسؤول كبير في السلطة في العام نفسه حلّ «لجان المقاومة الشعبية»، وتسيير دوريات لمنع إطلاق قذائف «الهاون» على المستوطنات، نقطة تحوّل أخرى، باتت عقبها كلّ عملية اعتقال تواجَه بمسيرات حاشدة أمام المقرّات الأمنية، لتنتهي بذلك عمليات الاعتقال والتعذيب.
وعلى رغم أن المقاومة في قطاع غزة قويت بشكل كبير خلال فترة الانتفاضة، إلا أن عملية السور الواقي في الضفة أضعفت المقاومة هناك، وأعادت الكفّة لصالحة الأجهزة الأمنية للسلطة التي واصلت اعتقال المقاومين. ومع وصول محمود عباس إلى رئاسة السلطة عام 2005، بدأ تنفيذ مخطّط يهدف إلى إنهاء المقاومة المسلحة في الأراضي الفلسطينية، لتجد حركة «حماس» نفسها أمام مواجهة مع الأجهزة الأمنية في القطاع، دفعتها، إلى جانب أسباب أخرى، إلى السيطرة عليه. وفي أعقاب حلّ الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة في غزة، تركّزت سياسة ملاحقة المقاومة في الضفة بتوجيهات من عباس، ليصبح المقاومون إزاء ملاحقة مزدوجة، من قِبَل جيش الاحتلال وأجهزة الأمن الفلسطينية، لا تزال المقاومة بسببها في الضفة المحتلة بدائية وفردية.