بلياقة عالية وخطى سابقت صافرة النهاية، استطاع لاعب كرة القدم عمر أبو هاشم أن ينقذ فريق «قلعة الجنوب» من خسارة مدوية في مباراة المصابين ذوي الإعاقة. تلقى أبو هاشم التمريرة من زميله أحمد الدالي، وحاذر أن تضرب عكازه المعدني، كي لا يعترض الحكم ويجهض الهجمة، وتلك، واحدة من أهم قوانين هذه الرياضة التي وفدت إلى غزة أخيراً بعد تزايد أعداد الشباب المبتورة أطرافهم، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية.
المباراة التي أقيمت على أرض ملعب «اليرموك» وسط مدينة غزة، منتصف الأسبوع الجاري، هي الموسم الثاني من دوريات كرة القدم «البتر»، وقد شارك فيها فريقا «قلعة الجنوب وشمال التحدي»، برعاية من اللجنة الدولية للصليب الأحمر وبلدية غزة.

أحمد الشاعر، الذي بترت قدمه اليسرى خلال الاعتصام على الحدود الشرقية لقطاع غزة في هبة القدس عام 2016، كان أحد اللاعبين الملفتين للنظر أثناء المباراة. الشاب العشريني يرى في كرة القدم واحدة من أهم وسائل تحقيق الذات. يقول لـ«الأخبار»: «بعد الإصابة شعرت أني لن أستطيع أن أمارس حياتي على الطريقة التي أحب، وعانيت لبعض الوقت من العزلة، لكني قررت في مطلع عام 2018 أن لا أستسلم للواقع، حينها، بحثت عن رياضة تناسب وضعي الصحي، وعزمت على ممارسة الرياضة التي أعشق، لكي أثبت لنفسي بأنني أقوى من الإعاقة».

أمّا وحيد رباح، وهو لاعب «فريق الأبطال» الذي رافقناه إلى يوم تدريب فريقه الأسبوعي، هو «شيخ الطريقة أو اللاعبين». ابن الـ 45 عاماً هو الأكبر سناً بينهم، وهو يرى أن ممارسة الرياضية لذوى الإعاقة «إعلان بطولي عن عدم الاستسلام للرصاص الإسرائيلي». يقول الشاب الذي فقد ساقه عام 2006 لـ«الأخبار»: «نحن نتجمع مع أبناء هذه الشريحة التي لم تعد أعدادها محدودة في القطاع، ونستمد القوة من بعضنا البعض، فضلاً عن أن روح التحدّي القائمة تجعلنا نعيش لهدف نسعى لتحقيقه».
يتابع وحيد وهو يمارس تمارين الإحماء: «عندما نعلم بأن أحد الشباب بترت له إحدى الأطراف، نسارع إلى زيارته والتخفيف من مصابه، ونصنع ما يشبه الرابطة حوله، لكي لا نتركه لهواجس الوحدة والانطواء، وبهذه الطريقة قهرنا واقع الإصابة».

ولرياضة كرة القدم «البتر» قوانينها الخاصة؛ الشوط فيها مدّته 25 دقيقة عوضاً عن 45، ويسمح فيها بإجراء تبديل اللاعبين بشكل مفتوح وغير مقيّد بعدد ثلاث مرّات كما في كرة القدم التقليدية. إضافة إلى ذلك، يمنع اللاعبون من ارتداء القدم الصناعية في الملعب، فضلاً عن أنه يمنع ركل الكرة بالعكاز بشكل متعمّد، أمّا حارس المرمى، فينبغي أن لا يكون من مبتوري أطراف القدم، إنما مصاباً ببتر أحد أطرافه العلوية: اليد اليمني أو اليسرى.

تشكّلت النواة الأولى لكرة القدم «البتر» عام 2008، بجهود عدد من المدرّبين المحليّين. وفي عام 2019 أسهم المُدرّب الإيرلندي سيمون بيكر، مؤسس «جمعية إيرلندا لكرة القدم لذوي البتر» في مأسسة هذه الرياضة في القطاع، إذ تكفّل في تدريب عدد من المدرّبين والحكّام، وأشرف على تنظيم مجموعة من المباريات الودّية للفرق الناشئة، الأمر الذي أسهم في انبثاق جمعيات أهلية متخصصة لرعاية هذه الشريحة.

يقول محمود الناعوق، وهو نائب رئيس «جمعية فلسطين لكرة القدم للمبتورين» التي تتولى مهمّة تنظيم هذه الفعاليات: «الرياضة هي واحدة من أهم الطرق التي تسهم في كسر عزلة الشباب الذين يعانون من بتر الأطراف، خصوصاً أن العدد الأكبر من المصابين هم من فئة الشباب التي كانت تعيش قبل الإصابة ذروة النشاط والحماسة».

ووفق معطيات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي) لعام 2019، يبلغ عدد الأفراد ذوي الإعاقة في فلسطين نحو 93 ألفاً، يشكّلون 2.1 في المئة من مجمل السكان، فيما يبلغ عدد ذوي الإعاقة في غزة نحو 48 ألفاً، أي ما يشكّل 2.4 في المئة من مجمل سكان القطاع، أكثر من خمسهم من الأطفال، وفق المعطيات ذاتها.