تفوّقت الإمارات، تحت قيادة محمد بن زايد وإخوانه، على نفسها في التفنّن في خطى التطبيع مع إسرائيل، لتصطفّ علناً في جبهة العدو ضدّ الفلسطينيين والعرب، بل لتلحق بالكيان العبري كلّما أوغل أكثر في التطرّف اليميني. هكذا، واكب الإماراتيون عملية انتقال السلطة في إسرائيل بالتهليل لرئيس الوزراء الجديد نفتالي بينيت، تلميذ بنيامين نتنياهو الذي تفوّق على أستاذه في التطرّف، وتوديع الحكومة المغادِرة، لتتجلّى، مرّة أخرى، بصلف قلّ نظيره، حميمية إماراتية مستغربة في العلاقة مع العدو. ووصلت الجرأة بوزير خارجية الإمارات، عبدالله بن زايد، إلى حدّ تسجيله رسالة وداع مصوّرة لواحد من جنرالات إسرائيل الملطّخة أيديهم بدماء العرب، ولا سيما اللبنانيين والفلسطينيين، غابي أشكينازي، وزير خارجية حكومة نتنياهو، قائلاً له: «مرحباً غابي. شكراً لكونك شريكاً رائعاً، أتطلّع لنكون أصدقاء لسنوات طويلة قادمة. حفظك الله وحفظ عائلتك الرائعة». ولا يفوّت السفير الإماراتي في تل أبيب، محمد محمود آل خاجة، هو الآخر، أيّ فرصة لإظهار حماسته للتطبيع. فبعد أن كان آخر ظهور له خلال أخذه «بركة» حاخام حركة «شاس»، شالوم كوهين، أطلّ مباركاً انضمام الطالب منصور المرزوقي إلى جامعة هرتزليا الإسرائيلية، ليصبح أوّل إماراتي يدرس في إسرائيل، في خطوة تهدف إلى تشجيع الإماراتيين الممتنعين عموماً، على تقبّل هذا التطبيع. ولم يغفل السفير الإشارة إلى هوس حكام دولته بالأرقام القياسية حتى في معرض الخيانة، فاعتبر «ما حدث ليس كأيّ حدث، فهو يندرج في باب الأوائل».
مثل هذه الإشارات الإماراتية قوبلت بتفعيل الدعوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى مقاطعة الإمارات بمثل مقاطعة العدو، كما أعادت إلى التداول كلمة «خيانة» التي غابت طويلاً عن القاموس العربي في وصف الدول أو الأحزاب أو الأفراد الذين يتعاملون مع إسرائيل. وأصبحت الإمارات، التي تباهت بتحقيق 434 رقماً قياسياً عالمياً مسجّلة في موسوعة «غينيس» خلال الأحد عشر شهراً الأولى من عام 2020، أوّل دولة عربية، وربّما في العالم، تقيم معرضاً دائماً لـ»الهولوكوست»، ليُضاف إلى «برج خليفة» الأعلى في العالم، و»نافورة النخلة» الأكبر في العالم. أمّا آخر «الصيحات» الإماراتية، فتَمثّلت في توقيع شركة «أكواريوس منوعيم» الإسرائيلية مذكّرة تفاهم مع شركة «كيب» الأجنبية في الإمارات، تشمل خطّة لإقامة مصنع إنتاج لقطع سيارات في البلاد.
لكن لماذا تمضي أبو ظبي في هذا التطبيع العاري؟ يبدو واضحاً أن حكّام الإمارات قرّروا، مع تغيّر موازين القوى في المنطقة نتيجة التراجع الأميركي، الارتماء كلّياً في أحضان إسرائيل، وتسليمها أمن نظامهم بالكامل، ليصبح جزءاً من الأمن الإسرائيلي نفسه، لعلمهم بأن الأخير مكفول أميركياً. ويستفيد حكّام الدولة من طبيعة الإمارات كدولة مكوّنة من إمارات سبع كانت حتى عام 1971، تاريخ تأسيسها على يد زايد بن سلطان آل نهيان، ضعيفة ومتناحرة في ما بينها، ولم يكن بعضُها يهادن بعضاً إلّا في موسم صيد اللؤلؤ، وبضمانات بريطانية، حتى سُمّيت «إمارات الساحل العماني المهادن»، قبل أن تصبح دولة الإمارات.
استبشرت إسرائيل خيراً بعد انتخاب الإمارات عضواً غير دائم في مجلس الأمن


ومنذ التأسيس، سعى حكّام الدولة إلى توزيع تركيبتها السكانية بشكل يضمن استمرار الحكم واستقراره. إذ تمّ وضع «كوتا» مدروسة لأعداد الوافدين من كلّ جنسية من الجنسيات، بحيث يغلب الوافدون على المواطنين، وغير العرب على العرب. وهكذا أصبح الإماراتيون أقلّية في بلادهم، لا يشكّلون أكثر من عشرة في المئة من سكّانها، فيما التسعون في المئة الباقون هم في غالبيتهم من الجنسيات الآسيوية، وغير مؤثرين سياسياً، لكونهم غير معنيّين بالقضية الفلسطينية. وفي ظلّ هذه التركيبة التي يصاحبها نظام امتيازات للمواطن على الوافد، يصبح الاعتراض صعباً، على رغم أن غالبية ساحقة من الإماراتيين تعارض التطبيع، وقد عبّرت عن ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، في مناسبات عديدة، آخرها العدوان الإسرائيلي الشهر الماضي على غزة. أمّا العرب الوافدون إلى الدولة، فهم معرّضون للإبعاد الفوري، إن لم يكن السجن، عند أقلّ تعبير عن الرأي لا يعجب السلطات.
وقد جرى، بعد اتفاقية التطبيع، تكثيف التعاون الأمني والعسكري والاستخباراتي والمعلوماتي بين أبو ظبي وتل أبيب. ولعلّ أكثر مسؤول إسرائيلي زار الإمارات هو رئيس «الموساد» يوسي كوهين، الذي يدأب على التنسيق مع مستشار الأمن الوطني الإماراتي طحنون بن زايد. كما انخرطت الإمارات في سلسلة من التدريبات العسكرية المشتركة مع إسرائيل، وآخرها وأكبرها مناورات «إنيوخوس» الجوية التي شملت إليهما، دولاً أطلسية، في شهر نيسان الماضي. فما هو الهدف من هذه المناورات، إن لم يكن التحالف العسكري مع إسرائيل ضدّ كلّ مَن يعتبرهم نظام أبو ظبي تهديداً له؟ قبل ذلك، كانت الإمارات تعتمد أمنياً على الغرب، من خلال القواعد الغربية في الدولة وأكبرها قاعدة الظفرة الجوية في أبو ظبي التي تستضيف قوات أميركية، وأخرى فرنسية، إضافة إلى قاعدة بحرية فرنسية في ميناء أبو ظبي، وقاعدة المنهاد التي تستضيف قوات أسترالية.
يبقى أن المفارقة الأبرز هي أن إسرائيل استبشرت خيراً بعد انتخاب الإمارات عضواً غير دائم في مجلس الأمن، حيث ذكر موقع «تايمز أوف إسرائيل» أن إسرائيل تأمل في أن يساهم ذلك في تبنّي المجلس قرارات «أقلّ انحيازاً ضدّ تل أبيب». آمال ستُمثّل، إذا ما تَحقّقت، انقلاباً على التاريخ العربي كلّه، حيث كان العرب يعتمدون على تولّي إحدى دولهم مقعداً في المجلس، حتى لو كانت من مُوقّعي الاتفاقات مع تل أبيب، لتمثيل المجموعة العربية، ودعم فلسطين ولبنان بالدرجة الأولى.

اتفاق نقل النفط يتفاعل في إسرائيل: «صفقة عار»
منذ مدّة، يحتجّ ساسة ونشطاء بيئة إسرائيليون على ما وصفته «القناة 11» العبرية بـ»صفقة العار»، المُوقّعة بين شركة خطّ أنابيب نفط عسقلان- إيلات، وبين حكومة الإمارات، في تشرين الأول الماضي، لنقل النفط الإماراتي عبر إسرائيل إلى أنحاء العالم، والتي تحوم حولها شبهات فساد واسعة. وأشارت صحيفة «إسرائيل اليوم»، المقرّبة من نتنياهو، أمس، إلى أن أزمة دبلوماسية تلوح في الأفق، بعد مطالبة وزيرة حماية البيئة الجديدة، تامار زاندبرغ، التي تنتمي إلى حزب «ميرتس» اليساري، بالإلغاء الفوري للاتفاقية.
ووفق التقرير الذي كانت بثّته «القناة 11»، فإن الإمارات وإسرائيل شرعتا بالفعل في تطبيق نقل النفط الإماراتي عبر الأنبوب إلى أوروبا، في خطوة قد تسهم في تكريس بديل من قناة السويس، ما يضرّ كثيراً بالمصالح المصرية. وذكرت القناة أن ناقلة نفط إماراتية ضخمة وصلت في نهاية الشهر الماضي إلى ميناء إيلات من دون إعلان، وقامت بإفراغ حمولتها، علماً أن العمل في الأنبوب بدأ بعد أن تمّ إصلاحه من الأضرار الجزئية التي لحقت به جرّاء إصابته بصاروخ أطلقته المقاومة الفلسطينية، في اليوم الثاني للعدوان الأخير على قطاع غزة. وأظهر التحقيق أن الكثير من المستويات الرسمية في تل أبيب تعارض نقل النفط الإماراتي، بل إن كثيراً من أعضاء حكومة نتنياهو اشتكوا من أنهم لم يعلموا بالاتفاق من الأساس، ومن ضمن هؤلاء وزير الخارجية غابي أشكينازي. وكان «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» قد اقترح استغلال جنوح سفينة «إيفر غيفن» في قناة السويس لتفعيل أنبوب إيلات - عسقلان، وتدشين خطّ سكّة حديد يصل إيلات بميناء أسدود، ليكون قادراً على نقل المواد الصلبة، التي تُصدَّر من الخليج إلى أوروبا أو العكس.