بعد 12 عاماً في الحكم، من المفترض أن يترك رئيس الورزاء السابق، بنيامين نتنياهو، وأبناء عائلته، مسكن رئيس الحكومة في بلفور. وينتقلون إلى الفيلا الخاصة بهم في مدينة قيسارية المحتلة. إلا أن نتنياهو أبلغ خلفه نفتالي بينيت، بأنه يحتاج لأسابيع لفعل ذلك، مؤمناً في قرارة نفسه بأن حكومة الأخير سرعان ما ستسقط ولذلك لماذا يعذّب نفسه في نقل العفش من حيث يقيم؟ في هذا الإطار، يتحدّث المعالج النفسي، إيلان ربينوفيتش، الذي يعرف نتنياهو بشكل شخصي، عن ما الذي يدور في قلب وعقل الرجل في هذه اللحظات.
يقول ربينوفيتش في مقالة نشرها موقع «واللا» إنه «في هذا الأسبوع كان من المفترض على نتنياهو أن يحتفل باليوبيل النصفي لترأسه منصب رئيس الوزراء. وبدلاً من ذلك، عليه ترك المنصب الرفيع في إسرائيل، بعد عشر سنوات متتالية من الحكم الفردي، فيما تسجيل الإنجازات والإخفاقات يجري باسمه حصرياً».

يضيف: «كنت أعرف نتنياهو شخصياً بشكلٍ جيّد في ذروة حياته السياسية، بعد خسارته أمام إيهود باراك، وبعدما أسّس أرييل شارون حزب "كاديما". لقد كان نتنياهو حينها زعيماً معارضاً مهزوماً يترأّس حزباً له عشرة مقاعد». يومها «أراد أن يستوعب ويفهم أين أخطا، وأن يقوم بعملية حسابية نفسية، وأن يستمع من الطرف الآخر، وينفتح على آراء الآخرين من حوله، وإظهار أنه ليس شيطانياً مثل الصورة التي تجذّرت في أوساط النخبة الأكاديمية والصحافية التي اتهمته بالتحريض الذي أدى إلى اغتيال إسحاق رابين».

ويتابع المعالج النفسي: توجّه نتنياهو إليّ «من طريق الصحافي حنوخ داؤوم، وطلب مني أنا وزوجتي فتح منازلنا لسلسلة من الأمسيات المغلقة التي يشارك فيها كبار الصحافيين الإسرائيليين ومحرّري الصحف ومديري استوديوهات الأخبار، ورؤساء في مجالات الاقتصاد والحكومة، والفنانين والمبدعين الناجحين والمشاهير». لقد كان القاسم المشترك لكل هؤلاء «هو انتماؤهم لليسار ونظرتهم السلبية تجاه نتنياهو».

ويشرح أنه «في محادثاتي الشخصية معه حينها، تساءلت ما الذي يجعله مهووساً هكذا، مصرّاً لا يكل من السياسة الإسرائيلية. بعد كل شيء تبيّن أنه موهوب كشيطان، ذكي، وعبقري كاريزماتي يمكنه ملء منزله بملايين الدولارات سنوياً، وقد فعل ذلك». لقد «شرح لي نتنياهو رؤيته ورسالته النابعة من منطلق حب الشعب والدولة. لكن كطبيب نفسي متخصص في صراعات النفس البشرية، أدركت أنه ليس لديه خيار آخر. فالإنسان هو صورة أخرى عن وطنه، وشخصية الإنسان مشتقة من الجينات والعلاقات مع من حوله في السنوات الأولى من حياته». ويعلل ربينوفيتش ذلك بأن «نتنياهو كان ولا يزال شقيق يوني، الذي كان أسطورة في حياته وموته، وقائد لسييرت متكال، والرجل الذي عبدته النساء وعشقه الرجال».

كما كان «نتنياهو ولا يزال ابن البروفيسور بنتسيون (ابن صهيون)، العالم والأكاديمي، والزعيم العالمي في مجاله الذي لم تمنحه الجامعة العبرية في القدس وظيفة ثابته فيها بسبب مواقفه، حين كان ديفيد بن غوريون يتحكم في النخبة الأكاديمية. لقد ظُلم والده ظلماً شديداً ونفي إلى مناطق أجنبية، حيث ظل ساخطاً وبحق، لسنوات عديدة».

ويستذكر عندما كان نتنياهو رئيساً للوزراء، كيف أجرى والده مقابلة صحافية قال فيها إنه «(نتنياهو) يمكن أن يكون وزير خارجية جيّد، ولكن ليس رئيساً للوزراء بأي حال من الأحوال». تصدّر تصريحه هذا وسائل الإعلام بسبب عدم رضى الأب عن ابنه، والذي أظهر للوهلة الأولى وكأن نتنياهو «فتى الكريمة» (موازية لـ«فتى الكاتشاب» في لبنان) الذي عاش طفولة مثالية، غير أن الواقع الظاهر ليس بالضبط ما يشعر به نتنياهو شخصياً.

هذا النقص، بحسب الطبيب النفسي، ولّد لديه «حبّاً هائلاً للنجاح، فبدونه لا حياة بالنسبة إليه ولا وجود». والسبب أنه «شخص "مرآتيّ" (من مرآة)، ويحب انعكاس مشاعر الحب والدفء والنجاح والتصفيق عليه، وإلا فإنه سيشعر دائماً أنه الأخ الأقل حظاً مقارنة مع يوني، ونعجة الأب السوداء القبيحة».

وفق المقالة العبرية، فإن «النواقص عند نتنياهو هي بالضبط المحرّك له. عنده الفشل ليس خياراً وهو مماثل للموت. لم أقابل شخصاً بحاجة لأن يكون رئيساً للوزراء مثل نتنياهو، حتى تعرّفت شخصياً على يائير لبيد ونفتالي بينيت».

أمّا مزايا نتنياهو، فهي أيضاً عيوبه والعكس صحيح، بحسب الطبيب النفسي. فقد «جعلته سنوات عديدة في السلطة يشعر بالوحدة الشديدة ويشعر أنه لا يثق بأحد سوى بزوجته سارة وإبنه يائير (وربما من هنا سبب خطئه وسبب سقوطه)». إذ إنه «بعد كل شيء، جاء شهود الدولة (في قضايا الفساد ضده) من منزله. فليبرمان كان رئيساً تنفيذياً له، وبينيت رئيساً لمكتبه، وشاكيد سكرتيرته الشخصية، ولبيد وزير المالية في حكومته، وغانتس شريكه في حكومة الوحدة. قبل أن ينضموا جميعاً في شعار واحد وحّدهم بغراء قوي على الرغم من التباينات الإيديولوجية، وهو "المهم ليس نتنياهو"».

ويتابع الطبيب النفسي أنه في حال طلب مني نتنياهو رأيي الشخصي «فسأطلب منه الاسترخاء. أنت تستحق الراحة. لقد عملت معنا على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع لسنوات عديدة. استرح في منزلك الرائع بجوار حمام السباحة في قيسارية. هل سيستمع إلي؟ أشك. سيكون من الصعب عليه مغادرة بلفور ومكتب رئيس الوزراء وسيحاول إعادة اكتشاف نفسه».

ويتابع: «نتنياهو بحاجة لأن يفهم أن رئيس وزراء مثله بقي في السلطة لأكثر من عشر سنوات ومعزول عن الناس في ظل إجراءات أمنية مشددة، سيفقد بالضرورة المنظار الموضوعي. في شكوكه ووحدته، سيستمع إلى نصيحة أحيتوفل (من عائلته ومستشاريه المقربين) ويؤذي شخصياً الأشخاص الأذكياء الذين قد (برأي هؤلاء المستشارين) يشكّلون خطراً عليه. هل سيفهم نتنياهو نفسه؟ ويتعرّف في سنّه الكبير على أخطائه؟ الرب لديه الحلول. هل سيتعالج ويحظى بالراحة؟ الوقت كفيل بكشف ذلك».

ويخلص إلى القول: «أنا واثق من أنه في الوقت الحالي ليس محطّماً نفسياً. أنا متأكد من أن نتنياهو يشعر ويؤمن أنه تعرّض للظلم الفظيع من قبل الشعب والجمهور. شعر وكأنه والده المبجل الذي نفي من مكانه الطبيعي وأصبح وغداً. آلية الدفاع هذه تساعده بشكل كبير على التأقلم والبقاء وتوحّده أكثر من أي وقت مضى مع زوجته سارة وأولاده. إنهم يشعرون "إننا أمام اليسار كلّه" وفقط معاً يمكننا أن نفوز عليهم. الكراهية أمامهم توحّدهم وتعطيهم قوى خارقة، ويبدو أن نتنياهو لم يقل الكلمة الأخيرة في العلن بعد».