على رغم وعورة الطريق الذي سيسلكه لمنع نيل الائتلاف الحكومي المعارض له، الثقة، لا يبدو أن بنيامين نتنياهو سيستسلم سريعاً، بقدر ما سيبذل قصارى جهده لإطاحة التشكيلة الجديدة، سواءً من داخل «الكنيست» عبر محاولة سحب البساط من تحتها، أو من خارجه من خلال السعي إلى فرض حالة طوارئ تطيح مسار «الثقة» برمّته. في كلتا الحالتين، يظهر هدف نتنياهو صعب التحقّق، لينفتح، في حال فشله بالفعل، الباب على نهاية حياته السياسية ودخوله السجن الذي فعل كلّ شيء ليفرّ منه. مع ذلك، وحتى لو تحقّق هذا الهدف، فإن الحكومة الجديدة لن تُعمّر كثيراً، بل إن سقوطها متوقّع سريعاً جدّاً، لتعود الأزمة الداخلية وتتجدّد فصولاً
أعلن رئيس حزب «يشد عتيد»، يائير لبيد، المكلّف تشكيل الحكومة الإسرائيلية، أنه نجح في الاتفاق على ائتلاف حكومي، مع ثمانية أحزاب متباينة أيديولوجياً، وذلك في اللحظات الأخيرة من المهلة القانونية المعطاة له للإعلان عن اتفاق تشكيلها. إلا أن الإعلان عن الاتفاق، كما إعلام الرئيس الإسرائيلي به، لا يعنيان أن الحكومة تشكّلت بالفعل، وأن بنيامين نتنياهو سقط سياسياً، ويتّجه من الآن إلى السجن، الذي عمل طويلاً على الحؤول دون دخوله. في الوقت نفسه، لا يعني الاتفاق على التشكيل أن عقبات كبيرة جدّاً تعترض طريق الحكومة الجديدة، وإن كانت تلك هي الفرضية الأكثر ترجيحاً بحسب المؤشّرات الحالية. لكن إلى حين سماع صوت مطرقة رئيس «الكنيست»، معلناً انتهاء جلسة الثقة، وأن الائتلاف الجديد برئاسة خصوم نتنياهو نال الثقة، لا يمكن الحديث بشكل قطعي عن حكومة مقبلة، ما يعني، أقلّه نظرياً، أن أمل نتنياهو لا يزال موجوداً، وإن كان محدوداً، وهو ما سيعمل عليه في الفترة المقبلة، إلى حين نيل الثقة.
[اشترك في قناة ‫«الأخبار» على يوتيوب]
موعد انعقاد جلسة «الكنيست» لإعطاء الثقة تَحدّد مبدئياً يوم الاثنين المقبل، أي أن أياماً قليلة تفصل نتنياهو عن سقوطه المفترض سياسياً وشخصياً. لكن خياراته، وإن وجب التشديد على أنها محدودة، يتعذّر في المقابل نفيها، وخاصة أنه سيعمل كلّ ما بإمكانه، وربّما سيحاول أيضاً ما ليس بإمكانه، سواء لمنع التصويت بالثقة، أو لخرقه عبر استمالة أعضاء «كنيست» من أجل التصويت ضدّ خيارات أحزابهم. وتعذُّر الثقة أو سقوطها يعني إعادة تفويض تشكيل الحكومة إلى الرئيس الإسرائيلي، الذي عليه أن يقرّر إن كان سيرسل التفويض إلى «الكنيست» ليتمّ التوجّه لاحقاً إلى انتخابات خامسة، أو سيعلن مباشرة التوجّه إليها، وهو ما يراهن عليه نتنياهو. لكن هل ينجح؟ الفرضيات قائمة نظرياً، لكنها عملياً صعبة التحقُّق.
وفقاً للقانون الإسرائيلي، تتشكّل الحكومة لدى نيلها الثقة، فيما تَبْقى الحكومة المستقيلة أو المنتهية ولايتها بكامل صلاحياتها تقريباً، ما لم تَنَل الحكومة الجديدة ثقة «الكنيست»، أي أن نتنياهو سيظلّ الرئيس الفعلي للحكومة الإسرائيلية إلى حين إعلان «الكنيست» ثقته بالحكومة الجديدة، التي قرّر الائتلاف المعارض أن تكون برئاسة حزب «يمينا»، نفتالي بينت، لعامَين مقبلين، ومن ثمّ ليائير لبيد. وللحؤول دون نيلها الثقة، على نتنياهو أن يعمل على هدفين اثنين في مسارَين متوازيَين، من شأن كلّ منهما الإفضاء إلى انتخابات خامسة جديدة، تضْمن له فترة بقاء على كرسيّ رئاسة الوزراء لا تقلّ عن ثلاثة أشهر حتى موعد الانتخابات، ومن ثمّ فترة أخرى في أعقاب الإعلان عن نتائجها، إلى حين تشكيل الحكومة الجديدة ونيلها الثقة. وهو يأمل، بطبيعة الحال، أن تتحقّق له الأغلبية في الانتخابات المقبلة، بما يخوّله تولّي مهمّة التشكيل، ومن ثمّ النجاح في التأليف ونيل الثقة.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة آيلة إلى السقوط بمجرّد تشكيلها


بحسب القانون الإسرائيلي، تكفي أغلبية مَن يشاركون في التصويت كي تنال الحكومة الثقة المطلوبة، أي أنه لا ضرورة لضمان تصويت 61 عضواً من أصل 120 هي كامل مقاعد «الكنيست»، كي تكون الثقة مُحقَّقة. في المقابل، لإسقاط الثقة، يطلب القانون أغلبية محدّدة هي 61 عضواً. كان واضحاً، حتى ما قبل مساء أمس، أن الجانبين، أي كتلة «مع نتنياهو» وكتلة «ضدّ نتنياهو»، لا تحوزان غالبية 61 عضواً. لكن كتلتَي فلسطينيّي عام 1948 (10 مقاعد) انقسمتا في الموقف؛ إذ ذهبت «القائمة العربية الموحّدة» برئاسة منصور عباس (أربعة مقاعد) إلى التوقيع على اتفاق الائتلاف الذي ستكون شريكة فيه، فيما أعلنت «القائمة المشتركة» برئاسة أيمن عودة معارضتها إيّاه، ونيّتها التصويت ضدّه. وعليه، ستكون لدى كتلة نتنياهو (52 عضواً) فرصة نظرية للنجاح في إسقاط الثقة، وذلك عبر استمالة ستة أعضاء من الكتلة المقابلة، التي يبلغ عديدها 58، إن امتنعت «القائمة المشتركة» عن التصويت أو تغيّبت عن الجلسة، أمّا في حال شاركت فيها وصوّتت بـ»لا»، فسيُصبح مجموع معارضي الائتلاف الوليد 59 عضواً: 52 مؤيداً لنتنياهو، وعضو واحد استُميل من حزب «يمينا»، إضافة إلى ستة أعضاء من «القائمة المشتركة». في المقابل، من المفترض أن تنال «حكومة التغيير» أصوات 61 عضواً، تكفي في ذاتها لنيل الثقة، علماً أن موقف عضو «المشتركة»، أحمد الطيبي، غير حاسم في المعارضة، إذ قد يمتنع في نهاية المطاف عن التصويت، ما يزيد من تعقيد مهمّة نتنياهو. الخلاصة أن النتيجة التي تتساوق ومصلحة الأخير، صعبة جدّاً، ودونها عقبات، ومن غير المعلوم إن استطاع استمالة أعضاء «كنيست»، ضمن فرضيات حسابية، أن تسمح «المشتركة» أو عدد من أعضائها بأن لا ينال ائتلاف بينت - لابيد الثقة، بالنظر إلى أن هدف إسقاط نتنياهو متقدّم لدى القائمة، أو لدى عدد من أعضائها، على ما سواه.

ستكون الحكومة الجديدة برئاسة نفتالي بينت، لعامَين مقبلين، ومن ثمّ ليائير لبيد(أ ف ب )

في المسار الآخر الذي يضمن لنتنياهو تأجيل التصويت على الثقة، ومن ثمّ بلورة واقع جديد يدفع جزءاً من الكتلة المقابلة إلى الانشقاق والالتحاق به، هو التسبّب بحالة طوارئ في إسرائيل، مبنيّة على مواجهة تهديد أمني أو عسكري داهم يمنع انعقاد «الكنيست»، وهي حالة قد تتحقّق عبر التسبّب بمواجهة عسكرية ما على جبهة من جبهات التهديد ضدّ إسرائيل، أو تلقّف تصعيد في إحداها، يتبعه تعاظم في مستوى التصعيد يجبر «الكنيست» على تأجيل نيل الثقة، ويشوّش على الائتلاف نفسه نتيجة المواجهة، التي ستدفع الإسرائيليين إلى الاصطفاف خلف اليمين، ما سيؤثر على مواقف عدد من الأحزاب المؤتلفة حالياً ضدّ نتنياهو، والتي ستكون مضطرة، والحال هذه، إلى مجاراة جمهورها، والانسحاب من أيّ تكتّل مضادّ لزعيم «الليكود». حالة كتلك ستتسبّب بـ»فرط» جلسة الثقة، ومن ثمّ التوجّه إلى انتخابات جديدة. هذا السيناريو تبدو حظوظه ممكنة، وهو تَحقّق بالفعل خلال المواجهة الأخيرة مع قطاع غزة، حيث أُجبر بينت على التراجع عن التزاماته للكتلة المعارضة لنتنياهو، معلناً أن «حكومة التغيير» سقطت، وإن عاد في أعقاب وقف إطلاق النار إلى مسار الاتفاق على الحكومة المذكورة، كما هي الحال عليه الآن. على أن التسبّب بالتصعيد الأمني يبقى في دائرة الاحتمال، وإن كان الأرجح صعوبة تحقيقه؛ إذ يُتوقّع أن تعمد المنظومة الإسرائيلية، بمؤسّساتها السياسية والأمنية والعسكرية، ومعها الحلفاء البعيدون والقريبون، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، إلى منع نتنياهو من الدفع نحو مواجهة يُراد منها أن تُحقّق مصالحه الشخصية أوّلاً. بالنتيجة، كلا المسارين يبقيان في دائرة الإمكان النظري، وإن كان نتنياهو سيعمل بما يزيد عن قدرته لتحقيق أحدهما أو جزء من أحدهما، مع الاتكال على ظروف ومتغيّرات قد تستجدّ في أعقابهما.
سلكت الحكومة الإسرائيلية الجديدة، إذاً، طريق التشكّل، التي يُرجّح أن تنال في نهايتها الثقة. لكن إلى حين نيلها الثقة فعلياً، وفقط في حينه، يمكن القول إن حياة نتنياهو السياسية بدأت مسارها باتجاه السقوط، وربماً أيضاً باتجاه السجن، الذي فعل كلّ ما استطاع فعله، وإن بطرق ووسائل غير سويّة، وبمعيّة منصبه رئيساً للحكومة طوال الأعوام الماضية، من أجل الفرار منه. أمّا الحكومة المقبلة، برئاسة هذا أو ذاك، فالحديث عنها شأن آخر، لأنها من ناحية فعلية، بعد أن تنال الثقة، تكون قد حقّقت هدفها الرئيسيّ: إسقاط نتنياهو. أمّا جدول أعمالها للآتي، فهو محلّ خلاف يُقدَّر أن يكون كافياً لإسقاطها، وربّما أيضاً فور تشكّلها. وفي حال كهذه، سيكون نفتالي بينت رئيساً لها إلى حين إجراء الانتخابات. باختصار، الحكومة الإسرائيلية الجديدة آيلة إلى السقوط بمجرّد تشكيلها، وإن حقّقت أهمّ ما تشكّلت لأجله: إسقاط نتنياهو.