منذ أكثر من أسبوع، وفلسطين، كل فلسطين، تشتعل، على وقع عدوان همجي ووحشي على غزة، يطال المدنيين على مرأى العالم. لكن تغطية الاعتداء ومواكبته تفاوتتا بين القنوات اللبنانية. فالناظر إلى المحطات التلفزيونية، يلحظ حتماً هذا الاختلاف الهائل في التغطية والتحشيد، كأننا في بلاد متعددة تتوزع فيها الأقنية وكلّ يغني على ليلاه. مع تصاعد العدوان وتزايد عدد الشهداء والجرحى، في مقابل تسجيل المقاومة الفلسطينية صموداً واضحاً وكشفها مفاجآت عسكرية دكّت بها عمق كيان الاحتلال، لم تستطِع هذه المشهدية أن تحتلّ مساحة معتبرة على الشاشات اللبنانية. استكمل أغلب هذه القنوات البرمجة العادية، (وحتى حفلاته الغنائية في عيد الفطر!) وحصر التطورات في غزة ضمن نشرات الأخبار، عدا طبيعة التغطية ومصطلحاتها التي حاكى بعضها النمط الإخباري الاستعماري، الذي يوازي بين الضحية والجلاد، حاصراً العدوان بمعركة بين فصائل فلسطينية و«إسرائيل»، هذا إذا ما ذهبنا أبعد من ذلك، في تحوّل بعض القنوات إلى ناطقة ومطبّلة للاحتلال وعسكرييه وسياسييه. فلسطين المحتلة التي تقع حدودها الشمالية مع لبنان، لم تجد مساحات تستحقها على الشاشات اللبنانية، التي انقسمت فيما بينها. وحدها «المنار» خصّصت تغطية مفتوحة ومباشرة للعدوان، وحشدت للمقاومة الفلسطينية، وأذاعت بياناتها وأعادت نشر فيديواتها العسكرية المستعرضة لقوتها الصاروخية في وجه العدو. من جهتها، جنّدت «الجديد» شاشتها عبر النشرات الإخبارية والبرامج السياسية (مع استكمال باقي برمجتها المعتادة) لمواكبة ما يحصل في فلسطين، ودعم المقاومة الفلسطينية، وإدانة جرائم الاحتلال ووسم شاشتها بشعار «فلسطين تقاوم». وفتحت nbn، هواءها لنقل بث قناة «فلسطين اليوم»، مع تفاوت أداء otv، التي واكبت الأيام الأولى للعدوان وما يحصل في فلسطين المحتلة، وإذ بها لاحقاً تدخل حالة إنكار للواقع وتولي اهتماماً للشأن الحكومي الداخلي. وأول من أمس، بدأت فتح ملف السياحة في لبنان، وإمكانية انتعاش لبنان اقتصادياً من خلال تحويلات المغتربين!
وحدها «المنار» خصّصت تغطيةً مفتوحة ومباشرة للعدوان، وحشدت للمقاومة الفلسطينية


على المقلب الآخر، برزت lbci في هذا العدوان، بشكل صارخ: تغطية مسمومة ومنحازة في كثير من الأحيان إلى الاحتلال. يوم الأربعاء الماضي، كنّا أمام مقدمة نشرة أخبار حملت معها قدراً من الدعاية الإسرائيلية المباشرة، تحدثت عن «رد إسرائيل»، على «خطوط حمر» والمقصود بها صواريخ المقاومة. وفي سياق يشبه التسليم بجرائم الاحتلال، برّرت المحطة استهداف الآلة العسكرية الإسرائيلية لقادة من «حماس»، لأنهم«مرتبطون بتكنولوجيا الصواريخ»، من خلال «عملية أمنية معقدة». إذ بات بحسب الاستهلالية «قلق إسرائيل واقعاً»، بفعل صورايخ المقاومة! المحطة التي تصوّر العدوان على غزة بمثابة «قتال بين الإسرائيليين والفصائل المقاتلة»، لم تتوانَ عن تظهير تصريحات القادة الإسرائيليين وتهديداتهم لغزة، والتلويح بعملية برية في القطاع المحاصر، عدا تغطيتها لحراك فلسطينييّ الداخل الواقعين ضمن مدن محتلة، بأن ما يحصل هناك يندرج ضمن «الحرب الأهلية»! هكذا بلغة تساوي بين الجلاد والضحية، ساقت lbci تغطيتها للعدوان، إذ حرصت على تقزيم الصراع وتحويله إلى مجرد معركة بين فصائل فلسطينية و«إسرائيل». وبدا أن كل ما يؤرقها هو الترسانة العسكرية للمقاومة الفلسطينية، والإيحاء بأن المعركة ستنتهي عندما تقضي «إسرائيل»، على الأنفاق ورصد أمكنة إطلاق الصواريخ!
على الخط عينه، لكن بوتيرة أقل، سارت mtv. رغم وصفها ما يحصل بـ «العدوان على غزة»، ومحاولتها الانحياز صوب الفلسطينيين، إلا أن الناظر في طبيعة صناعة تقاريرها الإخبارية سيلحظ حتماً أنها حصرت بدورها العدوان الإسرائيلي بـ «التصعيد العسكري بين «حماس وإسرائيل»، مع اتخاذها في بعض الأحيان مسافةً حتى من الأمور المسلّم بها كالمجازر بحق الفلسطينيين التي يرتكبها الاحتلال، ووضعها في الميزان عينه الاعتداءات الإسرائيلية وردّ المقاومة الفلسطينية عليها.




اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا