حين أزور موقع مليتا، «متحف المقاومة في جنوب لبنان» ويمرّ شريط الذكريات - فتاريخ هذه الحرب هو أيضاً تاريخنا الشخصي، منذ مولدنا الى اليوم - أستعيد الفكرة نفسها عن أبطال ذاك المكان الذين غابوا: أنّهم، في زمنٍ ما، كانوا قادرين على رؤية شيءٍ لم أتمكّن أنا، وأكثر من حولي، من رؤيته. هنا يجب أن نشرح شيئاً عن سياق الأحداث: في اوائل التسعينيات مثلاً، كنا نكبر في جنوبٍ لبنانيّ نصفه محتلّ. إن خرجت من منزلي شرقاً وقطعت بضعة كيلومترات ستصل الى حاجزٍ يمنعك من الاستمرار في الطريق والوصول الى غابات بكاسين وجزّين وجبالها. وفوق التلال مرابض للاسرائيليين وجيش لحد تقصفنا متى تشاء. في تلك المرحلة، كنّا نقطع الصفوف في المدرسة بمعدّل مرّةٍ في اليوم حين يغير الطيّارون الاسرائيليّون على المخيّم الفلسطيني المجاور، كنوعٍ من التدريب. كان لدينا أكثر من ألف أسيرٍ لبناني بين سجون اسرائيل ومعتقلات لحد، لم نكن نحصي العدد، ولدى الصهاينة جيشٌ كامل من مجتمعنا يأتمر بأمرهم. وكان في سجلّنا، فوق ذلك، لائحةٌ صعبة من الهزائم والانكسارات والاذلال، والجيل الأكبر مني - الذي اكتسب وعيه مع اجتياح الـ82 - كان يقول لي إن الجندي الاسرائيلي هو «سوبرمان»؛ لا معنى، ببساطة، لأن تحاول مواجهته. ما أريد الوصول اليه هو أنّه لو قال لي أحدٌ في تلك الأيام أن لبنان سيكون، بعد أقلّ من عشر سنواتٍ، حرّاً (من دون اتفاقات ومعاهدات وتنازلات)، وأنّ الأسرى سيعودون، كلّهم من دون استثناء، وحتّى جثامين شهدائنا؛ وكلّ ذلك سيحصل حتى من غير أن نسالم الصهاينة، لكان من المستحيل أن أصدّقه. ولو أضاف أنّ دبّابات الاسرائيليين وسلاحهم وخوذاتهم ستكون معروضةً في متحفٍ، يلعب حولها أطفالنا، لاعتبرت أنها قصّة خرافيّة. غير أنّه كان هناك، في تلك المرحلة نفسها، أناسٌ لم يروا كلّ هذه الأمور فحسب، كأنّها تحصل أمامهم، بل كانوا مستعدّين - بسهولة - لأن يبذلوا حياتهم من أجلها. الكثير من الناس ينسى اليوم الطابع «النخبوي» للمقاومة في بداياتها، وكم كانت أقليّة وكم كانت مُحاربة وكم كانت مُحاصرة.
اليوم، بعد التحرير، الجميع ينسب نفسه اليها كمشروع «جماعي»، ومن مصلحة المقاومة المنتصرة أن تصنع سرديّةً تضمّ كلّ الناس، ولكن كما يقول أحد الأصدقاء عن هذه الظاهرة: إن كنت جنوبياً قُتل أفرادٌ من أهلك في غارة، أو تهدّم منزلك أو خسرت في جولة قصفٍ كما خسر الجميع في تلك المرحلة، فهذا لا يعني أنّك «كنت جزءاً من المقاومة» وشاركت في صنع التاريخ، بل هذا يعني ببساطة أنّ اسرائيل كانت تضربك، وكانت ستستمرّ بضربك الى اليوم لولا أنّ هؤلاء الناس خرجوا وقاتلوها نيابةً عنك. والمسألة هي أنّه حين كنّا - نحن أبناء الطبقة الوسطى - نحاول الارتقاء الاجتماعي، ونسافر ونتعلّم ونحبّ ونلعب، كان «أصحاب الرؤيا» في مكانٍ آخر تماماً، يختبئون في الجبال والأودية، ويقاتِلون ويستشهدون من أجل هذه البلاد (ومن لديه مثل هذا التاريخ والتراث يفهم لماذا نعتبر الخيانة والانقلاب مسألة ثقيلة، وحقيرة، ولا نتسامح فيها حتى على المستوى الشخصي). من اسماء الامام المهدي عند الشّيعة «بقيّة الله»، وهو لقبٌ له أكثر من تفسير، منها أن الله قد ترك لنا شذرةً من نفسه في الدّنيا تدلّنا على الطريق، حتى لا نضيع بالكامل في عالمٍ بلا قدسيّة، ليس فيه خيطٌ يربط الأرض بالسّماء. وحين يصيبك الوهن وتخونك الأيّام ويسقط سيفك وينكسر، فإنّ من يحمل بقيّة السّيف هو من يكتب لك الحياة.

تراكم القوّة
بالمعنى نفسه، لو أنّ أحداً أخبر المخططين الصهاينة، عام 2006 مثلاً، أنّ غزّة المحاصرة، التي كان المسدّس والرشّاش عزيزاً فيها، ستكون قادرة على ضرب مدن الكيان وقلبه بآلاف الصواريخ، وأن دباباتهم لن تجرؤ على الاقتراب من القطاع خوفاً من الـ«كورنت» ومن كتائب مسلّحة مدرّبة تنتظر الانقضاض عليه، لما تمكّن من تخيّل ذلك. من المفهوم لماذا اكتسبت غزّة، تاريخياً، أهمية «عسكريّة» خاصّة، ودارت فيها على مرّ القرون العديد من المعارك الكبرى. هي «ممرّ اجباري» ومركزٌ مديني يتوسّط فلسطين من جهة، وسيناء ومصر من جهة، وبادية الشام والجزيرة من جهة ثالثة. بعضنا يعتبر أنّنا خسرنا فلسطين عام 1948؛ وفي الحقيقة نحن خسرنا فلسطين وهذه البلاد للمرّة الأولى، والأساسيّة، عام 1917 - 1918، بعد أن كانت قد سبقتها مصر وشمال افريقيا للسقوط في يد الاستعمار. يومها، قاتلت الحاميات العثمانية في غزّة وبئر السّبع وعمّان بشراسة في وجه القوّة البريطانية التي تقدّمت من مصر (وهي كانت خليطاً من وحدات انكليزية واسكتلندية وويلزيّة، وقوات «أنزاك» من استراليا ونيوزيلاندا). في معركة غزّة الأولى في آذار 1917 تمّ صدّ الهجوم، وخسرت القوات المهاجمة أكثر من عُشر عديدها بين قتيلٍ وجريح. أما معركة غزّة الثانية، بعدها بشهر، فقد كانت كارثة عسكريّة على البريطانيين، اذ تمّ كسر الهجوم مجدّداً وسقط نصف القوة المهاجمة تقريباً في أرض المعركة.
كفّ العدوّ عن قتل مدنييك فليس له سوى طريق واحد: أن تراكم المزيد من القوّة والبأس


المسألة هي أنّ ظروف غزّة، التي تطوّرت في كنفها المقاومة، أصعب بكثير من ظروفنا في لبنان، فلا هي تشبه لبنان عام 2006، ولا العراق، ولا حتّى اليمن. بعد هزيمة مشروع أمين الجميّل وتيقّن اسرائيل من أنّها لن تنجح في اقامة دولةٍ لها في لبنان، أصبح واضحاً أنها ستترك البلد في نهاية الأمر إن استمرّ الضّغط عليها؛ كلّ ما عليك فعله هو أن تجعل نفسك مزعجاً وتراهن على تراكم الكلفة عند العدوّ، ولكن الوضع في فلسطين مختلفٌ تماماً. يمكن أن يُقال الكثير - من الجانب العسكري - عمّا ظهر حتّى الآن في ساحة المعركة، وعن مسار المقاومة وقدراتها، من الصّواريخ الأولى (التي كانت أقرب الى انبوبٍ تحشوه بالبارود)، وصولاً الى الصواريخ المتنوّعة بمديات بعيدة، ورؤوس حربية تزن مئات الكيلوغرامات. ولكنّ العنصر الأساس هنا هو قصّة تراكمٍ في المعرفة والخبرة تمّ اكتسابها ولا رجعة عنها، وهي حصلت في ظروف حصارٍ وضيقٍ وحربٍ مستمرّة. خلف الصاروخ البسيط الذي نراه منطلقاً من غزّة يوجد كمُّ هائلُ من المعادلات والمفاضلات مرّت في رؤوس اولئك الذين صمّموه: مدى الصّاروخ، رأسه الحربي، سرعته، مساره. حين تجد تطوّراً في مدى الصواريخ واعتماديتها فهذا يعني أنهم حصلوا على نوعٍ أفضل من الوقود الصلب، أو صنّعوا تركيبة جديدة متقدّمة. عليك أن تصمّم صواريخ من أنماطٍ مختلفة بحسب المهام، بعضها قصير المدى ولكن بتأثيرٍ كبير لضرب الأهداف القريبة، وأخرى مهيّئة لكي تضرب بعيداً في العمق. وعليك أن تصمّم كامل هذه الترسانة وتصنعها بمعدّاتٍ وأدوات متوافرة محليّاً، وتكون قادراً على انتاجها بكميّاتٍ كبيرة. ثمّ، بعد ذلك، عليك أن تحضّر وسائل وتقنيّات آمنة للاطلاق في مكانٍ صغيرٍ محصورٍ، تصوّر كل نقطةٍ فيه الطائرات الاسرائيلية في كلّ ساعة. وأغلب هذه الصواريخ، بالمناسبة، تختصّ بغزّة، ومصمّمة لكي تناسب جغرافيتها وأهدافها.
ولكنّ «الخطّة» الحربية الاسرائيلية ليست موجّهة أساساً ضدّ المقاومة، فهي لم تتمكن في السابق من منعها من إطلاق الصواريخ أو تدمير قدراتها أو ضرب التنظيم العسكري أو احتلال غزّة والسيطرة عليها. التكتيك الأساسي هو في العقاب الجماعي وجعل المدنيين يعيشون، كلّهم، حالةً من الرّعب والقتل «استثنائية»، باعتبار أنّ الحالة «الاعتيادية» من الحصار والمراقبة هي ايضاً حربٌ على المدنيين لأهدافٍ سياسية. من هنا احتمل الفلسطينيون في غزّة، طوال السنوات الـ15 الماضية، ما كان يستحيل أن نحتمله في لبنان (ولا المجتمع السياسي في البلد كان متماسكاً لدرجةٍ تسمح بهذا المستوى من التضحية الجماعيّة). شهداء بالمئات، أبراج سكنيّة تُضرب، تهديد بالموت في كلّ لحظة، وحياةٌ بلا خدماتٍ وحقوق. هذا هو سلاح اسرائيل الأساسي، والشيء الوحيد الأكيد اليوم هو أنّ هذه النّاس - وسط الحرب الرهيبة - تلتفّ حول اليد التي تقبض على بقيّة السّيف، وهنا معنى المقاومة. أمّا كفّ العدوّ عن قتل مدنييك فليس له سوى طريق واحد: أن تراكم المزيد من القوّة والبأس، فكلّما ضربته أكثر سيضربك أقلّ. والخسائر الهائلة في صفوف المدنيين في لبنان لم تحصل في أيّام قوّة المقاومة، وحين أصبحت تضرب الجيش الاسرائيلي كلّ يوم، بل حين كنّا ضعفاء، في 1982 وما قبلها؛ كان الآلاف يُقتلون في كلّ حربٍ أو حملة بلا ثمن، ولا شيء يردع اسرائيل، وكان في وسعها تخيّل مشاريع سياسية طموحة في البلد، تدمّر في سبيلها قرىً ومدناً كاملة. هذا هو المسار التصاعدي الذي أطلقه يحيى عيّاش وباسم عيسى ورفاقهما، وسيكمله من سيأتي بعدهم.

ليس حلماً
يمكنك أن تفهم معنى تحرير فلسطين والصراع ضدّ الصهيونيّة من عدّة منطلقات، ولكن أحدها يبدأ من مراقبة الفارق بين بيوتهم في فلسطين المحتلّة وبيوتنا في غزّة. لا يمكن لك، من بين صور الحرب، ألّا تلاحظ ذاك التباين الصّارخ. دعك عن الذّوق السيئ والتصميم، لكنّهم - المستوطنين - يقطنون بيوتاً واسعة لها حدائق، أو مدناً حديثة بطرقات واسعة وبنى تحتيّة، فيما الفلسطينيون واللاجئون يعيشون في المخيّمات والمدن المُحاصرة. هنا ايضاً جوهر الصّراع: المستوطنون يعيشون هكذا لأنهم سرقوا أرضنا، وحين تحارب الصهيونيّة فإنّك - في العمق - تحارب هذه القسمة. ومن يريد السّلام مع اسرائيل والتطبيع، أو تحويل القضية الفلسطينية الى قضيّة حقوقيّة، فهو يريد تأبيد هذا الواقع. (ومن يقول لك إنّ المسألة ليست مسألة أرض و«عقار»؛ وإنّ المستوطنين الأوروبيين، في فلسطين أو اميركا، هم مهرة ومنتجون وديمقراطيون، ولهذا بنوا بلاداً حديثة بلا حاجة لأرضك. إن كان ذلك صحيحاً، فلماذا أصرّوا على سرقة كلّ هذه البلاد والقارّات؟).

في غمرة الكلام عن «التطبيع» انضمّ ملايين العرب الى حركاتٍ مسلّحة تعادي الصهيونية


تحرير فلسطين ليس شعاراً يراوح مكانه، ولا أمراً لا يمكن تخيّله. بل هو مسارٌ له أجزاءٌ قد ابتدأت بالتجمّع والاكتمال. ينسى البعض، في غمرة الكلام عن «التطبيع» واختراقه لدول المنطقة (وهي حكوماتٌ كان أغلبها في الأصل مطبّعاً أو بلا موقفٍ في الصراع)، أنّ السنوات الأخيرة قد شهدت ايضاً حركة معاكسة. كما يلاحظ حسن الخلف فإنّه، في وجه الحكومات والنخب التي سارت في طريق التطبيع والتصالح مع الصهيونية، انضمّ - خلال الفترة ذاتها - ملايين العرب، من اليمن الى لبنان، الى حركاتٍ مسلّحة تعادي الصهيونية وأصبح تحرير فلسطين بالنسبة لهم جزءاً من عقيدتهم. أنا أعتقد أن هزيمة الصهيونيّة قد لا يحتاج حتّى الى «معركة فاصلة» أخيرة، كما نتخيّل في الغالب. هو سيحصل ببساطة حين تصبح الحرب، كجولةٍ عنيفة قصيرة أو كحالة مستمرّة، مستحيلةً بالنسبة الى اسرائيل. هذا يمكن أن يحصل بعدّة وسائل، كلّها تقوم، قبل الصّواريخ، على تغيير السياق السياسي في المنطقة. حين تُصبح اسرائيل محاطة بمنظّماتٍ صلبةٍ متشابكة، وعشرة أو عشرين ألف صاروخٍ دقيقٍ مصوّبة عليها، من أجيالٍ جديدة لا نعرفها بعد، وهي ستنطلق من كلّ مكان، من صحارى العراق والأردن وصولاً الى سوريا ولبنان وسيناء، عندها فعلياً ستنتهي اللعبة، وسيكون على الصهاينة الاختيار بين تفكيك دولتهم أو زوالها بالقوّة (وقد يقول قائل إنّ هذه المواجهة ستؤذي الدول العربيّة المحيطة وتخرّب مستقبلها، ونحن آسفون سلفاً على تعطيل مسيرة التنمية والازدهار والبحث العلمي التي نشهدها حالياً في ظلّ التبعيّة).
يلاحظ أحد الأصدقاء أنّ الخميني، حين اختار يوماً للقدس وجعلها مناسبة أساسيّة، كان يفهم قوّة هذا الشّعار، فلا هدف آخر يحمل الرمزيّة نفسها لدى كلّ المسلمين؛ حتّى الأهداف السياسية النبيلة من نمط الوحدة والسيادة والخلاص من الهيمنة هي في النهاية مفاهيم نظريّة، مجرّدة، حمّالة أوجهٍ. ولكن في وسعك أن تكثّفها حين تجعل فلسطين وتحريرها هدفاً عقائدياً، ليس متروكاً للخيار والاجتهادات. «يوم القدس» هو بالنسبة لي مناسبة «محدثة»، ظهرت في حياتي، ولكني أتعرّف على أجيالٍ جديدة كبرت ويوم القدس بالنسبة اليها مناسبة سنويّة، أصبح جزءاً من ثقافتها وتراثها وعاداتها. ولو اكتمل هذا الطريق ووصل الى منتهاه، فإنّ شعوبنا ستقيم، في مدنها وساحاتها، احتفالاتٍ بـ«يوم القدس» بعد قرونٍ من اليوم.

خاتمة
في الوقت نفسه، هناك أناسٌ كثر لا تهمّهم هذه الأمور. منذ البداية كان «نموذج القدس» يقابله «نموذج دبيّ». ونموذج دبيّ، حتى نكون واضحين، لا يعني أننا سنصبح جميعاً اثرياء ونعيش في أبراج، بل يعني امكانيّة ان «تنجو» انت، بالمعنى الفردي، ولا تدفع مع باقي ابناء شعبك ثمن الهزيمة الجماعيّة. اترك للاسرائيلي أرضك وبيتك وشاطئك وستحصل، انت وعائلتك أقلّه، على بيتٍ جميل، وحياة استهلاكيّة، وشاطىء بديل. هكذا «تختصر الطريق» ويمكنك، في ما بعد، أن تتعاطف مع ابناء المخيّمات وانت تشاهد الفضائيات في العشيّة. من أصعب التحديات التي واجهت حركات التحرّر العربية أنّ هذا النموذج الخليجي كان يٌشهر أمامها، ولم يكن متاحاً لنخبٍ قليلةٍ فحسب، بل لفئات واسعة من الطبقات الوسطى تمّ تحييدها عن الصّراع، أو أصبحت مصالحها لا تتماشى مع مشروع التحرير. المصالح والاحتمالات الماديّة تأتي أوّلاً، ثمّ تنشأ ثقافة كاملة حولها، وشعارات ومنظومة أخلاقيّات، من أجل تبريرها. لهذا السبب نرى التزاوج في دبيّ بين التسلّط السياسي الأقصى، والتطبيع مع الصهيونية، وبين الاحتفاء بالفردانيّة و«تحقيق الذات» والحريات الشخصية (ضمن مفهوم ضيّق، استهلاكي، عنها). فهذا النّمط من الليبرالية الفردانية المبتورة يصلح اطاراً لتبرير الخيانة والانتهازيّة (فحين تكتب انت سرديّتك عن نفسك، انطلاقاً من ذاتك، ستكون دوماً على حقّ)؛ وهي ايضاً نوعٌ من «ايديولوجيا» تصلح تعويضاً عن «"القضايا الكبرى» ووجود المعنى في الحياة.
لهذه الأسباب فأن تكون تل ابيب، في يوم ذكرى النكبة، تُضرب بالصواريخ وتُرسم لوحاتٌ بالضوء في سمائها ليس أمراً هيّناً وله معانٍ تاريخيّة، سواء بالنسبة الى مستقبل الكيان أو بالنسبة لمن يملك القرار والشرعيّة في هذه المنطقة. وهذه المرحلة، حين يُكتب تاريخها، قد أثبتت ثابتتين: أن الفلسطينيين، حين أُتيح لهم الحدّ الأدنى من امكانيّة القتال، وتسليحٍ وتنظيم وقيادة، كانوا مستعدّين للقتال والتضحية والاحتمال أكثر منّا جميعاً؛ وأن غزّة، على مدى سنواتٍ طويلة، كانت هي عاصمة فلسطين.



اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا