القدس المحتلة | يواصل العدو الإسرائيلي تنكيله بالأسرى والمحرَّرين الفلسطينيين بأساليب عدّة، أبرزها إعادة اعتقال الأسير لحظة الإفراج عنه! يُمارَس هذا الأسلوب منذ سنوات بحق أسرى القدس المحتلّة بدرجة كبرى، وقد تزايد تطبيقه في الآونة الأخيرة. وأول من تَعرّض له كان القيادي في «حماس»، محمد أبو طير، الذي اعتقله العدو لدى خروجه من سجن النقب بعد انتهاء محكوميته البالغة أربع سنوات، ليُقتاد مجدّداً إلى مركز تحقيق «المسكوبية» في القدس.آخر الأسرى المُعاد اعتقالهم لحظة تحرّرهم هو محمد كمال عبيد من قرية العيساوية (شمالي شرقي القدس)، إذ اعتقله العدو أمس من أمام بوابة سجن «النقب» بعد قضائه سبع سنوات، قبل أن يقتاده إلى «المسكوبية» أيضاً. وخلال الشهرين الماضيين، أعاد العدو اعتقال أربعة أسرى لحظة الإفراج عنهم هم: مالك ناجح بكيرات (من بلدة صور باهر جنوبي القدس)، أحمد خالد سرور (من بلدة جبل المكبر جنوبي شرقي القدس)، محمد كمال عبيد (من العيساوية)، إسماعيل العروج (من قرية جناتا شرقي بيت لحم).
مثلاً، الأسير بكيرات اعتقله العدو قبل شهرين عند الإفراج عنه بعد 19 عاماً من السجن، وفوجئ بوالده معتقلاً بجواره في زنزانة واحدة، بذريعة التخطيط لتجهيز استقبال كبير! هكذا، يحاول العدو أن يقتل فرحة الأسير وعائلته بالحرية بحجج واهية، وإذا لم ينجح في ذلك، يفرض شروطاً على حفل استقباله في منزله، أبرزها تقييد عدد المشاركين، ومنع رفعهم العلم الفلسطيني، وأخيراً بات يتذرّع بانتشار فيروس «كورونا» المستجدّ لمنع التجمّعات لاستقبالهم، والأنكى أن هناك شبّاناً اعتُقلوا بتهمة المشاركة في استقبال المحرَّرين! يرى مراقبون أن الهدف من هذه الخطوة السعي الإسرائيلي إلى نبذ الأسرى مجتمعياً والتنغيص عليهم وعلى عائلاتهم حتى آخر لحظة، لكن بعد يوم أو اثنين من إعادة الاعتقال، يُفرِج العدو عن الأسير مجدداً.
أيضاً، يتفنّن العدو في إذلال الفلسطينيين ومنهم الأطفال، ويحاول «كيّ الوعي الجمعي»، حتى وصل الأمر إلى تحويل المنازل إلى سجونٍ جماعية ومنع مَن فيها من استعمال «فايسبوك». وسياسة «الحبس المنزلي» للأطفال هي تعبير ملطَّف يُجمّله العدو ويسوّقه كبديل من السجن العادي. إذ يُعتقل الطفل لأيام أو أسابيع، ثم يُحوَّل إلى الاعتقال في منزله، ويفرض على عائلته مراقبته والمكوث معه... هكذا يسير الأمر، والنتيجة: لا مدرسة، لا خروج من المنزل. أمّا في حال خرق هذا الحبس، فالطفل أمام خيارات أحلاها مُرّ: غرامة باهظة بما يزيد عن عشرة آلاف شيكل (ما يعادل ثلاثة آلاف دولار أميركي)، أو الاعتقال.
هناك من أُعيد سجنه يوم خروجه بعد قضائه حكماً بـ 19 سنة!


لا يقتصر «الحبس المنزلي» على تقييد الحرية، بل يُحدّد العدو للطفل كيفية تقييد حرّيته أيضاً، إذ يكون أمامه خياران: أن يمكث مدّة الحبس في منزله، أو بيت أحد أقاربه أو أصدقائه بعيداً عن عائلته، فضلاً عن أن فترة الحبس قابلة للتجديد. وبداية العام الماضي، ابتكر العدو أسلوباً جديداً، عندما أصدر قرارات بـ«الحبس المنزلي الليلي» بحق تسعة شبان من قرية العيساوية، لمنعهم من مغادرة منازلهم منذ الثامنة ليلاً حتى السادسة صباحاً. وعندما حاول بعض هؤلاء الشبان كسر القرار، اعتُقلوا فوراً. من هؤلاء مثلاً، الشاب محمد عليان، الذي اعتُقل منذ كان دون الثامنة عشرة أكثر من ثلاثين مرّة، ثم حُوِّل أخيراً إلى «الحبس المنزلي». ووفق إحصائيات «هيئة شؤون الأسرى والمحرَّرين» (رسمية)، أصدر العدو قرارات بهذا الحبس بحق 120 طفلاً في 2019 و90 آخرين في 2018.
الطفل طه أبو ريالة من العيساوية أفرج العدو عنه نهاية تشرين الأول/ أكتوبر 2019، بشرط «الحبس المنزلي» خمسة أيام ومنعه من التواصل مع أصدقائه لأسبوعين. يقول: «لم أفعل شيئاً سوى أنني كنت في منطقة المواجهات أثناء عودتي إلى منزلي، وتهمتي أن صديقاً لي ألقى حجارة صوب جيش العدو». ومنذ 2017، شرع العدو في أسلوب جديد بحق أطفال القدس، هو زجّهم في السجون الجنائية، في محاولةٍ للتأثير في نفسيّاتهم وتصعيد القلق لدى عائلاتهم من وجودهم في «بيئة غير مقاومة، خلافاً لسجون الأسرى الأمنيين المقاومين». ففي الجنائي، تتضاعف احتمالات اعتداء الجنائيين (من يهود أو فلسطينيي الـ 48) على الأطفال وتعريضهم للضرب والقمع، كما قد يتأثرون بأفكار إجرامية وغير سوية، في حين أن مكوثهم مع أسرى المقاومة يجعلهم ينخرطون في برامج تعليمية وثقافية متنوعة. ونهاية العام الماضي، بلغ عدد أسرى القدس 340، بينهم 22 طفلاً، بحسب إحصائية «لجنة أهالي الأسرى المقدسيين».
بجانب ما سبق، يشترط العدو توقيع الفلسطيني في القدس على تعهّد بألّا يستعمل حسابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي مقابل إطلاق سراحه، وهذا الأسلوب لا يزال حاضراً في أجندة المخابرات الإسرائيلية بجانب تهمة «التحريض عبر المنشورات» كذريعة للتحقيق والاعتقال. كذلك، صعّدت حكومة نتنياهو من استهدافها لمؤسسات السلطة الفلسطينية والشخصيات الناشطة في القدس، وقد تعرّض هؤلاء لقرارات تمنع عليهم التواصل مع شخصيات أخرى، سواء في الضفة أو غزة. ومن الشخصيات التي جرى تقييد علاقاتها: محافظ القدس عدنان غيث وأمين سرّ حركة «فتح» في المدينة شادي مطور.