بينما تتواصل المساعي الأميركية للتوصل إلى صيغة اتفاق يسمح بتمديد المفاوضات إلى ما بعد نهاية الشهر الجاري، تستمر إسرائيل في مناوراتها، التي ترمي إلى وضع السلطة أمام خيارين: إما الرضوخ للمعادلة الإسرائيلية، أو تحميلها مسؤولية إخفاق المفاوضات.
ومن أبرز التكتيكات الإسرائيلية في هذا المجال، فرض وقائع تدفع السلطة نحو خيار الردود «المتواضعة»، التي تبادر تل أبيب إلى اتخاذها مبرراتٍ لخطوات مضادة في إطار أطروحات حل هي أقرب إلى أن تكون إطارا لتحقيق شروطها وأهدافها.
على خط مواز، يبقى للتنافس الداخلي الإسرائيلي السياسي والأيديولوجي حضوره عبر استغلال محطات التعثر التي تواجهها المفاوضات لتقديم أفكار أخرى، هي من جهة جزء من أوراق الضغط على السلطة، ومن جهة أخرى، تأتي في نطاق المزايدة اليمينية على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. في هذا السياق جاء اقتراح حزب البيت اليهودي المتطرف ضمَّ الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة الغربية إلى إسرائيل.

بولارد مربط فرس

للوهلة الأولى، عند الحديث عن صفقة قدمتها إسرائيل للخروج من الأزمة التي تواجهها المفاوضات مع السلطة الفلسطينية، يبدو كما لو أن إسرائيل قررت العودة خطوة إلى الوراء، من أجل تمهيد الطريق لبلورة حل وسط، لكن عندما يتضح أن المبادر إلى ذلك هو وزير الشؤون الاستخبارية المقرب من نتنياهو، يوفال شطاينتس، يتبيّن أن المسألة ليست سوى وضع الشروط الإسرائيلية والإنجازات المطلوب تحقيقها في قالب يطلق عليه اسم «صفقة حل».
شطاينتس دعا إلى الإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى، مقابل تراجع السلطة عن خطوتها في الأمم المتحدة، لكنه ذكر أن الإفراج عن الأسرى الفلسطينيين من أراضي عام 48 منوط بإفراج الولايات المتحدة عن الجاسوس الإسرائيلي جوناثان بولارد، المسجون في أميركا منذ نحو ثلاثة عقود.
من الواضح أن ربط إسرائيل الإفراج عن الأسرى ببولارد إخلال بالتفاهمات، التي انطلقت على أساسها المفاوضات، قبل أكثر من ثمانية أشهر، وهي ترمي بذلك إلى تجريد السلطة من الورقة التي لوحت بها.
في ظل الخيارات الاستراتيجية لرام الله، التي تخلت فيها عن أوراق قوة كثيرة، فإنها راهنت على مواجهة الرفض الإسرائيلي بتقديم الحد الأدنى الذي يبرر لها وفق معايير خط التسوية الاستمرار في المفاوضات، وتأجيل الاستحقاقات المتصلة بالتوجه إلى الأمم المتحدة أطول مدة ممكنة. في النتيجة، تصل إسرائيل إلى انتزاع تنازل فلسطيني جديد مقابل الأسرى، تماما كما استغلت المعادلة التي انطلقت على أساسها المفاوضات، ومررت بذلك عددا من المخططات الاستيطانية خلال الإفراج عن الدفعات الثلاث السابقة من أسرى ما قبل اتفاق أوسلو.
وعودةً إلى ربط تحرير الأسرى من فلسطينيي 48 بإلافراج عن بولارد، فبرغم أن ما قد يهم السلطة بالدرجة الأولى هو أصل تحريرهم، فإن الموقف الإسرائيلي يتلخص في وضع هذه الصفقة ضمن سلّة متكاملة، ما يسمح لتل أبيب بتحقيق أكبر قدر من الإنجازات السياسية وغيرها على حساب الفلسطينيين، وذلك كله في مقابل إنجاز وحيد للسلطة هو تحرير أسرى فلسطينيين يحملون الجنسية الإسرائيلية.
في السياق، نقلت وسائل إعلام فلسطينية عن أن الوفد الفلسطيني المفاوض رفض طلبا إسرائيليا (بناء على توجيهات رئيس السلطة) فحواه إبعاد 10 من الأسرى الذين كان من المفترض الإفراج عنهم ضمن نطاق الدفعة الرابعة إلى الضفة الغربية أو قطاع غزة.

احتواء الأزمة

إسرائيل تواصل التمسك بمطالب هي في الواقع تنازلات جوهرية إضافية من السلطة الفلسطينية، بل تضعها شرطا لا يمكن التراجع عنه لتحقيق التسوية الشاملة. ضمن هذا الإطار، تطرق وزير الاستخبارات الإسرائيلية، شطاينتس، في كلمة له أمام مؤتمر السايبر الدولي في جامعة تل أبيب، إلى اتهام كيري لحكومته بالمسؤولية عن تعثر المفاوضات، وقال: «رئيس السلطة قال قبل حوالى شهر إنه ليس في نيته الاعتراف بحق الشعب اليهودي بدولة سيادية».
وتابع: «أريد أن أوضح أنه توجد أوضاع ينبغي أن نكون حازمين فيها، وأن نقدّم ما نريده ضمن مطالب أساسية، كما أننا لا نستطيع أن نسلم بمقولة أخرى من جانب أبو مازن».
في الوقت نفسه، ذكرت الإذاعة الإسرائيلية أن رئيس الهيئة الإعلامية في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي ليبران دان، أكد أن إسرائيل معنية بمواصلة عملية التفاوض مع الجانب الفلسطيني، وأنها ستبذل كل جهد مستطاع لاحتواء الأزمة الحالية التي تشهدها المفاوضات.
إسرائيل تريد تحقيق الكثير مقابل إنجاز وحيد للسلطة هو تحرير الأسرى


في المقابل، وضمن الخط المتشدد الذي تتسم به مواقف اليمين المتطرف في الساحة الإسرائيلية، طالب رئيس البيت اليهودي ووزير الاقتصاد، نفتالي بينيت، رئيس الوزراء نتنياهو بعقد جلسة طارئة للحكومة، والإعلان عن ضم الكتل الاستيطانية الكبرى في الضفة، مثل «غوش عتسيون»، و«اريئيل»، و«معاليه ادوميم»، و«الفيه مناشيه» إلى إسرائيل.
وأضاف بينيت، في رسالة وجهها إلى نتنياهو، «بعد تنصل السلطة من التزاماتها ورفضها الاعتراف بيهودية الدولة، لا مناص من ضم الكتل الاستيطانية، بما فيها المقامة في المناطق الفلسطينية، ومنح السكان الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية الكاملة»، متهما السلطة بأنها تواصل سياسة التحريض على القتل العنصري، واستدل على ذلك بأنها تواصل دفع المخصصات للأسرى الفلسطينيين، الذين وصفهم بـ«القتلة».
تجدر الإشارة إلى أن هذا المطلب جزء من البرنامج السياسي والانتخابي لـ«البيت اليهودي»، ويدرك بينيت أن الظروف السياسية لا تسمح بتنفيذ هذا المطلب، ما يؤكد وجود خلفيات ظرفية تتصل بمنظومة الضغوط على السلطة، وفي الوقت نفسه استقطاب شرائح متطرفة من القاعدة الشعبية لمعسكري اليمين ضمن إطار التنافس مع حزب الليكود.