غزة | تُلقي جهود المبعوث الأممي السابق إلى الشرق الأوسط، البلغاري نيكولاي ملادينوف، في فلسطين، بعدما حظيت برضى فلسطيني وإسرائيلي عموماً، ثقلاً كبيراً على خَلَفه النرويجي تور وينسلاند. في سيرة السلف، ترى الفصائل في غزة أن جهوده لم تُستكمل، إذ لم يفِ ملادينوف بكامل تعهّداته، وخاصة تفاهمات التهدئة التي تَوسّط فيها بجوار المصريين والقطريين، بل كان قد حمل على عاتقه تجنيد دعم مالي واقتصادي لمصلحة مشاريع في قطاع غزة، الأمر الذي لم يُنفّذ منه سوى القليل. فتلك التعهّدات، التي يُفترض أن يتابعها وينسلاند، اصطدمت مراراً بمماطلة الاحتلال وتأخيره الموافقات على المشاريع الكبيرة التي من شأنها إحداث تغييرات حقيقية في الواقع الإنساني والاقتصادي لغزة، وأخيراً بربط كلّ شيء بإنهاء ملفّ الجنود الأسرى.
سبق أن انتقد العدو ملادينوف (يمين) فيما يتوقع أن يرحّب أكثر بوينسلاند (يسار) (الأخبار)

سيجد المبعوث الجديد نفسه بحاجة إلى كسب ثقة الفلسطينيين في غزة، وخاصة «حماس» التي رفض قائدها في القطاع، يحيى السنوار، مقابلته في شباط/ فبراير 2019، حينما جاء بصفته «مبعوث النرويج للسلام في الشرق الأوسط»، وذلك على خلفية تقييم سابق له يفيد بأنه غير جدّي ولا قدرة لديه على تحقيق أيّ اختراق مع الاحتلال. وخلال الأعوام الأربعة الماضية، أجرى وينسلاند لقاءات عدّة في غزة ورام الله وفلسطين الـ 48، لكن من دون أيّ نتيجة، مع أنه حمل سابقاً إلى «حماس» تصوّراً من الاتحاد الأوروبي للتهدئة قبل أن يعرقله العدو. قد تكون النظرة السلبية إلى الرجل مرتبطة بماضيه، وخاصة أنه عمل مستشاراً للمبعوث الأممي الأسبق في الشرق الأوسط، تيري رود ــ لارسن، الذي تعرّض لانتقادات واسعة بسبب تحيّزه للاحتلال في الملفّات المتعلّقة بفلسطين ولبنان وتقديمه تقارير غير موضوعية مثل ما أورده في شأن انتهاكات الاحتلال بحق الفلسطينيين خلال الانتفاضة الثانية.
وحصل وينسلاند (مواليد 1952) على درجة الماجستير في اللاهوت في كلية أوسلو، وبدأ عمله عام 1984 في خارجية بلاده، ثمّ في 1992 جرى تعيينه أميناً عاماً لـ«الحركة الأوروبية في النرويج». وبعد الاستفتاء على عضوية بلاده في الاتحاد، عاد إلى «الخارجية» عام 1995، ثمّ في 1996 صار مستشاراً لوزير التخطيط رود ــ لارسن، وعندما استقال الأخير عاد إلى الخارجية مجدداً. وفي منتصف 2011 عُيّن سفيراً لدى القاهرة قبل أن يصير بعد عام مبعوثاً نرويجياً للسلام في ليبيا. كما أن نظرة «حماس» السلبية إليه مرتبطة بكونه مستشاراً لمبعوث «اللجنة الرباعية» إلى الشرق الأوسط، توني بلير، بين 2007 و2008، حين تعرّضت الحركة لمقاطعة دولية وحصار عند تأليفها الحكومة بعد فوزها بالانتخابات، وآنذاك حرّض بلير عليها.
سبق أن رفض قائد «حماس» مقابلة المبعوث الأممي الجديد


مع أن الوقائع تَغيّرت منذ 13 عاماً، فإن مهمّة المبعوث الجديد ستبقى صعبة في غزة. لكن بما أنه عمل مستشاراً وزارياً في السفارة النرويجية لدى تل أبيب، ورئيساً لمكتب التمثيل النرويجي لدى رام الله، سيجد فرصة أفضل للسير في التقريب بين السلطة والعدو، وخاصة مع اندفاعة الأولى إلى مسار التسوية أخيراً. كما أن لوينسلاند أجرى لقاءات كثيرة ومتكررة مع مسؤولي السلطة وخاصة رئيسها محمود عباس، ورئيس الوزراء محمد اشتية، في العام الماضي، وتحديداً بعد إعلان «صفقة القرن» وخطة «ضمّ الضفة».
على الجهة المقابلة، ينتظر الاحتلال مواقف وينسلاند بوصفه الوظيفي الجديد، وخاصة أن تل أبيب سبق أن انتقدت سلفه ملادينوف في مواقف عدّة؛ منها رفض الأخير في تصريحاته للاستيطان في الضفة وأيضاً خطة «الضمّ»، وتكراره أنه متمسّك بـ«حلّ الدولتين»، وحديثه دائماً عن الوضع الإنساني والحصار الإسرائيلي لغزة، علماً بأنه بتجربته في أصعب مناطق الشرق الأوسط لخمس سنوات ينتقل الآن مبعوثاً خاصاً إلى ليبيا خَلَفاً لغسان سلامة الذي تنحّى في آذار/ مارس الماضي. وينهي التعيينان الجديدان، وينسلاند في الشرق الأوسط وملادينوف في ليبيا، شهوراً من المشاحنات التي أشعلتها الجهود الأميركية لتقسيم الدور في ليبيا كي يدير شخص البعثة السياسية للأمم ويركّز آخر على الوساطة في الصراع، إلى أن وافق مجلس الأمن على هذا الاقتراح في أيلول/ سبتمبر، فيما امتنعت روسيا والصين عن التصويت.
ويتعيّن على ملادينوف استكمال جهود المبعوثة الأممية بالإنابة، ستيفاني ويليامز، التي أفضت إلى اتفاق على إجراء انتخابات في ليبيا في كانون الأول/ ديسمبر 2021، على رغم تعرّض هذا الاتفاق لخطر الانهيار. وللمبعوث الجديد (مواليد 1972) تاريخ دبلوماسي وأممي طويل، علماً بأنه حاصل على ماجستير آداب في دراسات الحرب في «كينغ كولدج» في لندن، وماجستير في العلاقات الدولية في جامعة الاقتصاد الوطني والعالمي في صوفيا. كما سبق أن شغل منصب وزير الدفاع في بلغاريا بين 2009 و2010، وكذلك حقيبة الخارجية بين 2010 و2013، وكان ضمن الوفد الأوروبي إلى كلّ من العراق وأفغانستان، كما تولّى مناصب في قطاعات أخرى؛ منها البنك الدولي.

اشترك في «الأخبار» على يوتيوب هنا