وقاحة لا نهاية لها. تلك خلاصة «محاضرة» السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، لأصدقائه الإسرائيليين. أطل العتيبة بمقالة في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية أمس، يستجدي ترسيخ الحلف المعلن بين دولته وبعض الدول العربية والخليجية، وبين إسرائيل، معتقداً أنه بعد سنوات من اجتهاد بلاده في نقل التطبيع الخفي إلى مكانة الحلف المعلن يستطيع بـ«المونة» إقناع العدو بالتراجع عن قراره ضم مستوطنات الضفة المحتلة والأغوار إلى سيادته! ربما تناسى العتيبة أن علاقة إسرائيل بالدول العربية تنطلق من تحقيق المصالح الإسرائيلية العليا من دون أدنى اعتبار أو مراعاة لمصالح دول الحلف. وبما أن دول الخليج، وفي مقدمتها السعودية والإمارات والبحرين، تفترض بـ«سذاجة» مطلقة أن ما تبقى من إمكانية لـ«حل» القضية الفلسطينية يمكن أن يُشترى ويباع ويُحقق بالمال، وأن الحل هو بالقربان (فلسطين) الذي ستقدمه إلى إسرائيل لدرء «الخطر الإيراني»، فإن تلويح العتيبة الواهي، «الضم أو التطبيع»، إنما يأتي من أنه لن يعود هناك أي قربان للتقديم أساساً.لم يأتِ العتيبة بما هو خارج عن السلوك الذي انتهجته أبو ظبي طوال سنوات. يقول: «منذ زمن يتحدث القادة الإسرائيليون بحماسة حول تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، ودول عربية أخرى». لكن هذه الحماسة «تتناقض مع النية الإسرائيلية للضم بوصفها خطوة أُحادية الجانب، وتعكس سيطرة غير شرعية على أرض فلسطين. الضم يتحدّى الإجماع العربي بل الدولي في ما يتعلق بحق الفلسطينيين في تقرير المصير»، علماً بأنه لا خطوات عربية جديّة إلى الآن، ولا حتّى موقف يُظهر رفض التحدي الإسرائيلي. فالسفير، الذي شارك أصلاً في مؤتمر إعلان «صفقة القرن» التي يجري الضم بناء عليها، لا يرى خطورة القرار في كونه يشرعن الواقع الذي كرّسته إسرائيل منذ احتلالها الضفة عام 1967 وينسف أي وهم لإقامة حتى دويلة فلسطينية، بل تبلغ به الوقاحة تحذير إسرائيل من تبعات قرارها التي «ستوقظ عنف المتطرفين... وتصل أمواجه إلى المنطقة، لأنه يؤثر في المقام الأول في الأردن... الذي يُعتبر أمر استقراره مسلماً به، من أجل الحفاظ على استقرار المنطقة ككل وإسرائيل خاصة».
العتيبة: يمكن أن تكون الإمارات بوابة مفتوحة تربط إسرائيل بالمنطقة والعالم


إذاً، هو يرى أن رفض قرار الضم، وأي رد فلسطيني عليه، إنما هما «يقظة للعنف والمتطرفين»، ليعود بعد ذلك سارداً الدور الذي لعبته بلاده في المنطقة، ومتجاهلاً كل الدمار الذي ألحقته باليمن ومواطنيه خاصة، وتدخلها السافر في الحرب في سوريا ودعمها للمسلحين، قائلاً: «لسنوات، أبدت الإمارات دعماً دؤوباً للسلام في الشرق الأوسط. لقد شجعنا التدخلات الهادفة إلى الحد من الصراع، وساعدنا في خلق الحوافز بسياسة الجزر بدلاً من العصي». كما اعترف بأن بلاده عارضت باستمرار أي نوع من المقاومة: «لقد عرَّفنا حزب الله بأنه منظمة إرهابية، واستنكرنا تحريض حماس وأدنّا الاستفزازات الإسرائيلية»، كأن الحروب التي شنتها إسرائيل على غزة ولبنان، والعدوان المتواصل على سوريا، والانتهاكات اليومية بحق الفلسطينيين هي «مجرد استفزازات».
إلى جانب ذلك، افتخر العتيبة بـ«إنجازه العظيم» لكونه واحداً من السفراء الثلاثة العرب الذين حضروا في الغرفة الشرقية في البيت الأبيض، حيث أعلن الرئيس دونالد ترامب «صفقة القرن» في كانون الثاني/يناير الماضي، إذ إن بلاده «كانت تدير دبلوماسية صامته»، فضلاً عن أن عمله مع الرئيس الأسبق، باراك أوباما، كان للتوصل إلى «حكم ذاتي واستثمار أكبر»، من دون أن يكلف نفسه كلمة «دولة فلسطينية». أيضاً اعترف بأن بلاده ودولاً عربية «رغبنا في أن نؤمن بأن إسرائيل هي فرصة وليست عدواً»، معيداً التحجّج بـ«الفزاعة الإيرانية»، بل وضع الإمارات في الخانة نفسها مع إسرائيل: «نحن نقف إزاء الكثير من المخاطر المشتركة، ونرى الجهد الضخم الذي يبذل من أجل علاقات دافئة أكثر». ومع كل الممارسة العدوانية التي تجاهر بها إسرائيل من وراء قرار الضم، رأى القرار مجرد «لغز محيّر»، أي «هل إسرائيل ترى الأمور بالطريقة نفسها (التي ترى فيها بلاده العلاقة مع إسرائيل)».
واستطرد: «إسرائيل والإمارات دولتان تملكان أكثر جيشين كفوءين في المنطقة، ولديهما مخاوف مشتركة بشأن الإرهاب والعدوان، وعلاقات طويلة وعميقة مع الولايات المتحدة. كان بإمكانهما خلق تعاون أمني أوثق وأكثر فعالية... كونها مركزاً لشركات الطيران الدولية، والخدمات اللوجستية والتعليم والاتصالات والثقافة، يمكن أن تكون الإمارات بوابة مفتوحة تربط إسرائيل بالمنطقة والعالم». ورافق المقالة مقطع فيديو نشرته صحيفة «ذا ناشونال» الإماراتية التي تصدر بالإنكليزية، يوضح فيه العتيبة سبب كتابته المقالة: «نريد الحديث مباشرة إلى الإسرائيليين، والرسالة كانت أن كل التقدم الذي شاهدتموه في الانطباعات تجاه إسرائيل وتحول الناس أن يكونوا أكثر تقبّلاً وأقل عدائية تجاه إسرائيل... قد يجري تقويضه بقرار الضم». كما يتزامن الفيديو والمقالة مع وصول ثاني طائرة إماراتية محمّلة بالمساعدات خلال ثلاثة أسابيع، لتهبط في مطار بن غوريون بتل أبيب، حاملة هذه المرة شعار بلدها، من دون إخفاء معالمها وهويتها.
في المحصلة، ليس من المستهجن اختيار الإمارات عبر سفيرها منصة عبرية لتتوجه إلى الجمهور الإسرائيلي، كأنها «حبيب يعاتب حبيبته» بعد كل ما فعله من أجلها، إذ اجتهد العتيبة في التذكير بحضور الدبلوماسيين الاسرائيليين في أبو ظبي عبر ممثلية تحت قيادة «وكالة الطاقة المتجددة» التابعة للأمم المتحدة، مروراً بمشاركة الوفد الرياضي الإسرائيلي وزيارة وزيرة الثقافة والرياضة السابقة، ميري ريغيف، لأبو ظبي، حيث صدح على «شرفها» نشيد «هتكفا» الوطني الإسرائيلي على أول أرض عربية، وصولاً إلى دعوة تل أبيب للمشاركة في معرض «إكسبو» بدبي، وليس نهاية ببناء كنيس يهودي ضمن مجمع «بيت عائلة إبراهيم» في أبو ظبي، أو توفير خدمة طعام «كشير» (حلال وفق الشريعة اليهودية) في دبي لأول «مجتمع يهودي جديد في العالم العربي منذ أكثر من مئة عام».