في الثامن والعشرين من كانون الثاني/يناير الماضي، أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب «صفقة القرن»، التي تضمنت فرضاً للسيادة الإسرائيلية على منطقة غور الأردن وأجزاء كبيرة من الضفة المحتلة يفترض أن تضمها سلطات الاحتلال الاسرائيلي، وفق الخطة، إلى بقيّة الأراضي المحتلة عام 1948. أمّا القدس، فمصيرها في الخطة لم يأتِ مغايراً عن الواقع الذي فرضته إسرائيل بالقوة منذ احتلالها عام 1967. وفي ما يخص إدارة الأماكن المقدسة وأوقافها، بدا لوهلة أنها خارج هذه «الطبخة». لكن صحيفة «يسرائيل هيوم» العبرية كشفت، أمس، عن «قناة سرية» تتفاوض عبرها السعودية وإسرائيل والولايات المتحدة لتقاسم إدارة أوقاف المدينة، التي لا يزال يديرها الأردن.الصحيفة ذكرت أنه قبل نحو شهر من إعلان الخطة الأميركية ــ الإسرائيلية بدأت الرياض مفاوضات سريّة مع تل أبيب مضمونها الحصول على دور فعال في القدس عبر تقاسم إدارة الأوقاف مع عمّان بضم مندوبين سعوديين إلى مجلس إدارة الأوقاف الاسلامية في الحرم القدسي، مضيفة أن هذه المفاوضات توازت مع الإعداد للصفقة وإعلانها. ووصفت «يسرائيل هيوم» الاتصالات بـ«الحساسة والسرية»، موضحة أنها تجري «في ظل تعتيم، ويقودها فريق صغير من الدبلوماسيين ومسؤولون أمنيون رفيعو المستوى من إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية، وهي جزء من الاتصالات القائمة من أجل تطبيق صفقة القرن».
غيّر الأردن رأيه بعدما نشطت تركيا في القدس بتسهيل من السلطة الفلسطينية


اللافت في ما ذكرته الصحيفة أن فكرة تقاسم إدارة الأوقاف «دفع بها الأردن نفسه»، والسبب كما نُقل عن «دبلوماسي سعودي رفيع» أن «المندوبين الفلسطينيين في مجلس الأوقاف سمحوا بموطئ قدم لمنظمات إسلامية ــ تركية في الحرم، عبر جمعيات ضخت عبرها الحكومة التركية عشرات ملايين الدولارات، بإيعاز مباشر من الرئيس رجب طيب إردوغان». في البداية، عارض الأردن، الذي يتمتع بموجب الاتفاقات بمكانة خاصة في إدارة الأوقاف الإسلامية، أيَّ تغيير في تركيبة إدارة المجلس، لكنه، وفق الدبلوماسي السعودي، «غيّر موقفه في أعقاب التدخلات التركية الكثيفة في القدس الشرقية عموماً، وفي الحرم خاصة». لذلك، فإن «الأردنيين وجهوا رسائل إلى إسرائيل والولايات المتحدة مفادها أن العائلة المالكة تبدي استعدادها لتليين موقفها من كل ما يتعلق بإشراك مندوبين سعوديين في مجلس الأوقاف».
أمّا الشرط الذي وضعته عمان لدخول المندوبين السعوديين، فهو وفق الدبلوماسي نفسه «عدم المس بمكانة الأردن في الحرم القدسي، وأن تضخ السعودية ملايين الدولارات كتبرعات للجمعيات الإسلامية التي تنشط في القدس الشرقية والحرم، وأن تمارس ضغوطاً دبلوماسية وسياسية من أجل طرد المنظمات التركية التي تنشط تحت رعاية فلسطينية».
في الإطار، نقلت الصحيفة العبرية عن «دبلوماسي عربي رفيع المستوى» أنه «لو سمح الأردنيون لتركيا بالعمل من دون قيود في المسجد الأقصى، لبقوا بعد بضع سنوات على الورق. هم الآن بحاجة إلى المال والتأثير السعودي من أجل لجم إردوغان». وأضاف: «لكل من إسرائيل والولايات المتحدة مصالح هنا، عبر رغبتهما في الحصول على التأييد السعودي من أجل دفع صفقة القرن وخطوة الضم، كما أن السعودية تجلب معها تأييد الإمارات والبحرين».
رغم أن «الدبلوماسي العربي» قال إن «من السابق لأوانه القول إن هذه الخطوة ستخرج إلى حيّز التنفيذ، فضلاً عن أن الدور السعودي في الأوقاف سيكون على شكل مراقبين، وبصورة لا تمس بمكانة الأردن»، فما الضمانة ألا تفضي هذه الخطوة لاحقاً إلى تجريد الأردن من مكانته، ثم تحويل موطئ القدم السعودي إلى جذور راسخة في المدينة ترتكز عليها الرياض في كل عملية «بيع وشراء»، لتجريد الفلسطينيين من آخر ما تبقى لهم فيها؟