رام الله | لقاءان تطبيعيّان خلال 48 ساعة، جمع الأخير منهما مسؤولين في السلطة الفلسطينية وحركة «فتح» و«منظمة التحرير» بصحافيين إسرائيليين في رام الله، وذلك بتنظيم مما يسمى «لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي» التابعة للمنظمة، وفقاً لما أوردته «وكالة الأنباء الرسمية الفلسطينية» (وفا). وبحسب مصادر في السلطة، فإن الإسرائيليين أتوا هذه المرة إلى رام الله باللباس الخاص بالمستوطنين وقبعات «الكيباه»، كما أنهم استقلّوا حافلتين من دون حراسة من جيش العدو، ولم يكتفوا بالاجتماع في قاعة «متحف ياسر عرفات»، بل تجوّلوا في حي الطيرة في المدينة، والتقطوا صوراً مع تمثال نيلسون مانديلا، ثمّ تناولوا طعام الغداء مع المستشار الديني لرئيس السلطة محمود عباس، محمود الهباش، في أحد المطاعم الفاخرة داخل الطيرة، أو «حيّ القيادات» كما يحبّذ بعض الناشطين تسميته.قائمة الذين استقبلوا الوفد الإسرائيلي ضمّت، فضلاً عن الهباش، عضو «اللجنة المركزية لفتح» محمد المدني، والمتحدث باسم رئيس السلطة نبيل أبو ردينة، ما يعكس توجّهاً رسمياً، بل وتكليفاً من السلطة نفسها. ولم يخجل الهباش من التعبير عن ذلك، إذ خرج بعد أقلّ من ساعة على الغضب الذي أشعله اللقاء ليقول: «التقيت صحافيين إسرائيليين في إطار سعي القيادة الفلسطينية لمواجهة مؤامرة صفقة القرن، ولعرض رؤيتنا لسلام عادل وشامل يضمن الحقوق المشروعة لشعبنا، ولكي يعلم الإسرائيليون أن الاحتلال والسلام لا يجتمعان». أما أبو ردينة، فنقلت تقارير محلية عنه قوله إن السلطة «مستعدة لتوقيع اتفاق سلام مع العدو خلال أسبوعين بشرط أن توافق إسرائيل على إقامة دولة عاصمتها القدس»، و«إننا نتعامل مع حكومة إسرائيلية تدمّر كلّ فرص السلام، والحكومة الأميركية تؤجّج الصراع الدائم بين الإسرائيليين والفلسطينيين».
وليس لقاء أمس لقاءً يتيماً منذ إعلان «صفقة القرن»، على الأقلّ علناً، إذ سُجّلت، يوم الجمعة الماضي، مشاركة شخصيات فلسطينية في لقاء مع إسرائيليين في تل أبيب داخل فلسطين المحتلة عام 1948 بالذريعة نفسها، أي «مواجهة صفقة القرن وتوضيح الرؤية الفلسطينية للسلام لناشطين يرفضون صفقة القرن وشخصيات يسارية ومستوطنين غير متطرفين». وحمل «لقاء تل أبيب» شعار «برلمان السلام»، وضمّ شخصيات من وزراء سابقين أبرزهم فتحي أبو مغلي (الصحة)، ورئيس ديوان الرئاسة ووزير الحكم المحلي السابق حسين الأعرج، وباسم خوري (الاقتصاد الوطني)، إضافة إلى عضو بلدية البيرة منيف طريش، ورئيس بلدية عنبتا حمد الله الحمد الله. كما شارك في اللقاء وزير الأسرى الأسبق أشرف العجرمي، ونائب رئيس «لجنة التواصل» إلياس زنانيري، وآخرون.
حمل «لقاء تل أبيب» شعار «برلمان السلام» وضمّ شخصيّاتٍ من وزراء سابقين


وهاجمت «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» المشاركين في اللقاءين، ودعت إلى حلّ «ما يسمى لجنة التواصل مع المجتمع الإسرائيلي»، لأن «استمرار اللقاءات التطبيعية طعنة للشعب الفلسطيني، تجري برعاية مباشرة من السلطة والرئيس عباس». ورأت الجبهة، في بيان، أن هذه اللقاءات «تدلّل على عدم جدّية منظمة التحرير في تنفيذ قراراتها السابقة المتعلقة بالانفكاك التدريجي عن الاحتلال ووقف التنسيق الأمني»، مضيفة أن «التهافت على التطبيع يؤكد أن تصريحات قادة السلطة عن قطع العلاقات مع العدو غير جدّية، بل تهدف إلى تبريد صوت الجماهير الفلسطينية». كذلك، وصف المتحدث باسم «حماس»، فوزي برهوم، المشاركين في الاجتماع بأنهم «مصابون بفيروس التطبيع الخطير ويجب مقاطعتهم والحجر عليهم»، فيما قال منسّق «اللجنة الوطنية لحركة BDS بفلسطين»، محمود نواجعة، إن «العجرمي وزنانيري مخضرمان في التطبيع من خلال لجنة التواصل، والكارثة أن اللجنة انبثقت عن منظمة التحرير».
الجدير بالذكر أن «التواصل» تأسّست في نهاية 2012 بقرار من عباس، وهي تقول إنها تهدف إلى «اختراق المجتمع الإسرائيلي، والتأثير في الرأي العام لدى العدو، وتعزيز التواصل مع الإسرائيليين كافة لصناعة السلام، خاصة الناشطين اليساريين». ومع أن اللجنة منبثقة عن «منظمة التحرير»، إلا أن رئيسها، محمد المدني، هو عضو «مركزية فتح». وسبق للمدني أن قال «إننا كفلسطينيين لن نخسر شيئاً إذا تحدّثنا مع الإسرائيليين، لكننا لن نكسب شيئاً إن لم نفعل ذلك». وتنشط اللجنة في الاجتماع مع مستوطنين وشخصيات ومؤسسات إسرائيلية مختلفة، مثل مراكز الأبحاث والجمعيات وغيرها، كما أن اللقاءات التي تنظمها دورية ولا تنقطع منذ 2012، فضلاً عن أنها لا تعير اهتماماً للظروف والتوقيت. ولاحقاً، تطوّر عمل اللجنة ليتجاوز ما عرّفت به عن نفسها. حصل ذلك تحديداً عام 2016، عندما شارك رئيسها في جنازة المتهم بجرائم حرب، الرئيس الإسرائيلي شمعون بيريس، وأيضاً في عزاء الضابط في جيش العدو ورئيس «الإدارة المدنية»، منير عمار، في قرية جولس داخل فلسطين المحتلة، في العام نفسه.
يشار إلى أنه وصل وفد إسرائيلي يضمّ صحافيين وشخصيات أكاديمية ونواباً عرباً في «الكنيست»، منهم طلب الصانع، مطلع الشهر الجاري، إلى مقرّ «منظمة التحرير» في رام الله، حيث اجتمع مع أعضاء من «مركزية فتح» على رأسهم محمد المدني، وجبريل الرجوب، وناصر القدوة. وتباهى الصحافي الإسرائيلي المشارك في الوفد، أبراهام بلوخ، بصورة له من أمام مقرّ المنظمة خلال تغطيته اللقاء، علماً بأنه من أنصار جماعات «بناء الهيكل»، الأشدّ عنصرية وتطرفاً.



التظاهرات مشروعة في رام الله... ممنوعة في الخليل
كشفت مصادر في السلطة أن تعليمات رسمية صدرت للأجهزة الأمنية بمنع التظاهر ضدّ «صفقة القرن»، وإنهاء المواجهات في منطقة باب الزاوية في مدينة الخليل جنوب الضفة، وهو المكان الذي ارتقى فيه الفتى محمد الحداد، أول شهيد في تظاهرات الرفض للصفقة. وفعلاً، باشر أمن السلطة تنفيذ القرار منذ الجمعة، إذ توقفت المواجهات في باب الزاوية بسبب انتشار دوريات فلسطينية هناك. وحالياً، تستمرّ الفعاليات عند نقاط تماس قليلة في الضفة، وصار معظمها أسبوعياً، وفي أماكن تشهد اشتباكات منذ سنوات طويلة، أي قبل إعلان الخطة الأميركية، مثل نعلين وبلعين في رام الله، وكفر قدوم في قلقيلية. لكن حتى في هذه الحدود، يخشى غالبية الشباب من أن يكون الضوء الأخضر الممنوح من قِبَل السلطة للتظاهرات «موجة عابرة مؤقتة»، تَتْبعها مراقبة أمنية لهم.