سند طرمان، لِمَن لا يعرفه، هو الفدائي الفلسطيني الشابّ الذي قام بدهس 12 جندياً فجر الخميس في السادس من شباط/ فبراير الحالي. وقد ترك الفدائي، الذي بات أسيراً لدى الاحتلال، عبارة «وجدتُ أجوبتي»، وهي عنوان كتاب الشهيد باسل الأعرج وختام وصيّته، على صفحته في «فايسبوك» بضعَ ساعات قبل تنفيذ العملية. وسرعان ما تلت هذه الأخيرةً عمليتان في القدس ورام الله ضدّ جنود الاحتلال وعناصر شرطته. أبرز التعليقات، الفلسطينية والصهيونية على السواء، حول هذه العمليات، تقاطعت عند اعتبارها ردّاً على «صفقة القرن». أبو حمزة، الناطق باسم «سرايا القدس»، الجناح العسكري لحركة «الجهاد الاسلامي»، رأى أنها «تأكيد بالدم والسلاح على رفض شعبنا لصفقة القرن وتهويد المقدّسات»، قبل أن يدعو «كلّ المقاومين الفلسطينيين لحمل السلاح، ومهاجمة الحواجز الإسرائيلية، وأن يباشروا حالة من الاشتباك الشامل والمباشر بما يتوفّر لهم من إمكانات». الطرفان، الصهيوني الرسمي، والفلسطيني المقاوِم، متّفقان على تحديد الوظيفة الفعلية لـ«صفقة القرن»: تسريع عملية استيطان وضمّ وتهويد الأرض الفلسطينية. المشروع الصهيوني، كما أثبتت التجربة التاريخية على مدى قرن كامل، هو مِن نمط مشاريع الاستعمار الاستيطاني الإحلالي، الذي يقوم على اقتلاع السكان الأصليين وإحلال المستوطنين في مكانهم، كما جرى في الولايات المتحدة وأستراليا ونيوزيلندا، مثلاً لا حصراً. وككلّ عمليات الاستعمار الاستيطاني الممتدّة زمنياً، عَرف المشروع الصهيوني فترات تتسارع فيها وتيرة التطهير العرقي للفلسطينيين والاستيلاء على أرضهم، كحربَي 1948 وبدرجة أقلّ 1967، وفترات تتراجع فيها هذه الوتيرة لكن من دون أن تتوقف أبداً، بحيث يستمرّ الاقتلاع والاستيطان والضمّ على «نار هادئة». صفقة ترامب تهدف إلى تسريع مسار الاقتلاع. هذا ما فهمه الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة من جهة، وقطعان الصهاينة وقياداتهم من جهة أخرى، والنتيجة المباشرة هي تصاعد المواجهة في فلسطين، وفي سياق إقليمي ملتهب.
صفقة ترامب تهدف إلى تسريع مسار اقتلاع الفلسطينيين

في مقابلة شهيرة مع «هآرتس» أجراها بعدما أصبح رئيساً للوزراء في شباط/ فبراير 2001، لخّص آرييل شارون، «آخر ملوك إسرائيل»، حسب أنصاره، بدقّة وصراحة شديدتَين، طبيعة المشروع الصهيوني عندما جزم، على رغم ما سمّي آنذاك بمسار التسوية، أن «حرب الاستقلال لم تنتهِ». وأكّد شارون أن المطلوب هو الاستمرار في الاستيلاء على الأرض الفلسطينية واستيطانها «متراً بعد متر وحجراً بعد حجر». أهمية هذه المقابلة تكمن في قطعها مع الخطاب التضليلي الذي اعتُمد خلال تسعينيات القرن الماضي مِن قِبَل «الحمائم» الصهاينة، كإسحاق رابين وشمعون بيريس، عن التسوية بين الشعبَين والتنازلات المتبادلة وبناء الثقة وغيرها من الترّهات. مرّ 19 عاماً على حديث شارون، ومن الواضح اليوم أن الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة مضت بالسياسة نفسها. وقد أصبحنا أمام إدارة أميركية تُزايد بصهيونيتها على حكومة إسرائيلية تضمّ اليمين واليمين المتطرّف. انتهت أكذوبة التسوية وانكشفت حقيقة العرّاب الأميركي وحلفائه من «المعتدلين» العرب. حَشْرُ الفلسطينيين في أرخبيل المعازل الذي رسمت «صفقة القرن» حدوده التقريبية القابلة دائماً للتعديل وفقاً لرغبات إسرائيل، واستكمال الاستيلاء على ما بقي من أرضهم، هو عنوان المرحلة الراهنة مِن مسار الاقتلاع. الأهوال التي ستنجم عن هذه المرحلة لم تدفع السلطة الفلسطينية، إلى الآن، على رغم إعلان معارضتها صفقة ترامب ووقفها التعامل مع الحكومتين الأميركية والإسرائيلية، إلى إجراء مراجعة جدّية للنهج الذي تبنّته، واتّخاذ الخطوات التي تَفرض نفسها دفاعاً عن بقاء الشعب الفلسطيني في أرضه، وأولاها وقف التنسيق الأمني والسماح لجماهيره ولقواه المقاومة بمواجهة الاحتلال. لكن، بما أن الصراع في طريقه إلى الاحتدام نتيجةً لتسارع مسار الاقتلاع، لن تستطيع السلطة الاستمرار في النهج ذاته، وهي ستضطر إمّا للتحول إلى مجرّد قوة رديفة للاحتلال تحرس المعازل وتصطدم بشعبها، أو على الأقل أن تتركه ومقاوميه، أمثال سند طرمان، يتصدّون لهذا الاحتلال. إن انطلاق انتفاضة ثالثة، شعبية ومسلّحة، في ظلّ تحوّلات تدريجية في موازين القوى في الإقليم لمصلحة محور المقاومة، الحليف الوحيد للشعب الفلسطيني، كفيل بأن يفرض متغيّرات ميدانية وسياسية، محلية وإقليمية ودولية، تفتح آفاقاً جديدة أمام نضاله. وتستطيع شعوب الأمة وقواها الحية المشاركة في هذه المعركة، من خلال استهداف الوجود الأميركي، راعي سار الاقتلاع وداعمه، بجميع الوسائل الضرورية. وما يزيد من فرص الانتصار في هذه المعركة الوجودية، هو أن جبهة الأعداء الأميركية - الإسرائيلية أضعف مِن السابق، وهي ستُجبَر على التراجع وتقديم التنازلات عندما توقن أن المنطقة ستتحوّل إلى كتلة من لهب.