زيّف «قسم تجنيد الحريديم» (اليهود المتدينين) في جيش العدو الإسرائيلي الأرقام الحقيقية في شأن المجنّدين الفعليين من الشباب «الحريديم» لديه. طوال سنوات، قدّم القسم إحصاءات مضلّلة وكاذبة ظهرت فيها الأرقام أكبر بضعفين أو ثلاثة أضعاف مما هي عليه في الحقيقة. والهدف كان التغطية على فشل القسم في تجنيد العدد المطلوب منه سنوياً، وتخفيف انتقادات الإسرائيليين لهذه الفئة التي ترفض الخدمة بحجة أنه يجب أن يتفرغ شبانها لدراسة الشؤون الدينية. في العام الماضي، أُنشئت «مديرية الحريديم» الجديدة في الجيش، وتولّى إدارتها الضابط العسكري تلام حزّان، الذي طُلب منه تقديم معطيات حول أعداد المجندين «الحريديم» (عن 2018). ما توّصل إليه كان ما يلي: يخدم في الجيش 1650 شاباً «حريدياً» فقط. رقمٌ أوعز إلى حزّان، بحسب «الإذاعة الإسرائيلية العامة»، بتزييفه حتى يقترب من رقم عام 2017، وهو 3070، الذي هو بدوره «مضلِّل ومزيَّف»، لأن ما توصلت إليه المديرية هو أن هؤلاء ليسوا متدينين. كذلك، وجدت المديرية فجوات هائلة بين عدد «الحريديم» الذي بُلّغ عنه في الماضي والعدد الحقيقي، إذ تبيّن أن «قسم تجنيد الحريديم» كذب على مدى سنوات عمداً، ليُظهر أنه حقق الأهداف المطلوبة منه.
قُدّمت الأرقام المضخّمة إلى مسؤولي الجيش والأمن و«الكنيست»


الأرقام المزيّفة والمضخّمة قُدِّمت إلى كلّ المسؤولين في هيئات الجيش المختلفة، ومنهم رئيس هيئة الأركان، ووزير الأمن، وكذلك «لجنة الخارجية والأمن» في «الكنيست». ووفق تقرير الإذاعة، فقد قدّم الجيش في عام 2017 إحصاءات تظهر أن عدد «الحريديم» في تلك السنة هو 3070، بينما هم في الحقيقة 1300 فقط. وفي عام 2011 كانوا 600 فقط، في حين أن قسم التجنيد ضاعف العدد إلى 1200. أما في الأعوام بين 2001 و2017، فقد ضوعفت الأعداد بإدخال أسماء جنود ليسوا «حريديم» إلى قوائم الإحصاء، أو أسماء جنود غادروا المجتمع «الحريدي» وهَجَرتْهم عائلاتهم، بل باتوا من العلمانيين.
السبب وراء كلّ هذا التضليل، وفق ما اعترف به المتحدث باسم الجيش أخيراً، هو التغطية على الإخفاق في تحقيق الهدف المطلوب منه تحقيقه في شأن التجنيد، وأيضاً لوقف الانتقادات التي تُوجّهها بقية الفئات إلى المتدينين غير المجندين، والتي ترى في ذلك «تمييزاً، وعدم مساواة في تقاسم الأعباء». والجدير ذكره، هنا، أن «الحرب» التي احتدّت منذ ثلاثة عقود من أجل تجنيد «الحريديم»، وتصاعدت في السنوات الأخيرة، بلغت ذروتها في نيسان أبريل/ الماضي، عندما أخفق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، عقب انتخابات «الكنيست الـ21»، في تشكيل الحكومة، بسبب اشتراط زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، للانضمام إلى الحكومة، ضمان تمرير قانون التجنيد (يعارضه الحريديم) بالقراءة النهائية من دون إدخال تعديلات تفرّغه من مضمونه.
وعلى الرغم من أن «المجتمع الحريدي»، بقيادته الدينية والسياسية، يتبنّى المواقف اليمينية المتشددة من الاستيطان وقضايا أخرى، فإنه يرفض التجنيد من منطلقات دينية محضة. وبالنسبة إلى هؤلاء، لا يأتي التجنيد حصراً على حساب دراسة «التوراة» إذا ما فُرض بواسطة القانون، بل يعني خروج الشبان من «القوقعة الحريدية» و«انفتاحهم على المجتمعات الأخرى في إسرائيل»، من علمانيين وليبراليين وغيرهم.