تتناسق الجهود الأميركية - الإسرائيلية الرامية إلى إنهاء دور «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا) في كلّ المناطق التي تُقدّم فيها خدماتها، سواء بالخنق المادي أو بمحاولات نقل الوصاية على اللاجئين إلى «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين». وفي إطار تلك الجهود، طرح رئيس بلدية القدس الأسبق، النائب الحالي عن حزب «الليكود»، نير بركات، مشروع قانون يهدف إلى حظر نشاط الوكالة في فلسطين المحتلة عامةً، وفي القدس المحتلة خاصة. مشروع القانون، الذي يأتي طرحه بعد أيام على تجديد ولاية «الأونروا» لثلاث سنوات مقبلة بأغلبية ساحقة خلال تصويت في الأمم المتحدة، لاقى تأييداً شاملاً من معسكر اليمين، إذ وقّع عليه رؤساء الكتل البرلمانية لكلّ من«الليكود» و«إسرائيل بيتنا» و«شاس» و«يهودية التوراة» و«البيت اليهودي» و«اليمين الجديد».ويهدف مشروع القانون الجديد إلى «تعزيز وتطبيق السيادة الإسرائيلية على القدس»، وفقاً لـ«قانون أساس القدس عاصمة إسرائيل» ذي المكانة الدستورية، وهو ينصّ على «حظر أنشطة الوكالة في إسرائيل» بدءاً من 2020. وبذلك، تتوقف «الأونروا» عن تقديم خدماتها إلى مئة ألف لاجئ فلسطيني في شؤون الصحة والتعليم والنظافة. كلّ هذا بادعاء أن الوكالة الأممية، وفق بركات، «تُستخدم كمنصة تحريضية من خلال التعليم والتربية على كراهية الإسرائيليين والمسّ بالمواطنين اليهود»، وهي «تُدرِّس في المدارس التي تديرها في القدس مضامين معادية للسامية، تشيد بالإرهابيين الذين قتلوا نساءً وأطفالاً (إسرائيليين)». ولم يسلم مكتب الوكالة في غزة أيضاً من تلك الاتهامات، إذ وصفه بركات بأنه «مخزن للصواريخ»، قائلاً إن «المنظمات الفلسطينية تستخدمه لتخزين الصواريخ من أجل إطلاقها تجاه إسرائيل». وبدأ بركات منذ أن كان رئيساً لبلدية المدينة المحتلة بالضغط والتضييق على أنشطة الوكالة التي لا تقدّم كما يقول سوى خدمة «إلى أقلّ من اثنين في المئة من السكان العرب في القدس». وهو طرح في السابق خطة بديلة الهدف منها أن تتولى البلدية إدارة المؤسسات التربوية والاجتماعية لِمَن «كانوا لاجئين»، في ما يعني عملياً عدم إبقاء أيّ لاجئ في القدس، ومصادرة الأراضي التي أقيمت عليها مخيمات مثل شعفاط.
وقبل عام من الآن، أطلّ النائب «الليكودي» في مؤتمر عقدته «شركة الأخبار الإسرائيلية»، متوعّداً أمام الحاضرين بطرد الوكالة من القدس. وقال آنذاك إن «حظر الأونروا وإنهاءها في المدينة (القدس) سيقلّلان التحريض والإرهاب، ويُحسّنان الخدمات للسكان، كما أنهما يقودان إلى أسرلة شرق المدينة وتعزيز السيادة الإسرائيلية وتوحيد القدس الكبرى. إن الأونروا هي كيان أجنبي غير ضروري، وكلّ جانب فيها فشل فشلاً ذريعاً». وأبدى بركات ثقته بأن إسرائيل ستنهي «معضلة اللاجئين في القدس» مستندةً إلى الدعم الأميركي لترسيخ السيادة الإسرائيلية على المدينة، والذي تجلّى في أكثر من قرار، منها الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها من تل أبيب، ثم تأييد المشاريع الاستيطانية وعلى رأسها «نفق طريق الحج اليهودي» أسفل البلدة القديمة، والذي شارك السفير الأميركي ديفيد فريدمان شخصياً في افتتاحه.
إذاً، تُوّجت خطة بركات التي أعلنها سابقاً بمشروع قانون سينهي دور الوكالة فعلياً. أمّا مصادرة خدماتها، فهي قضية هامشية مقارنة بالهدف النهائي، المتمثل في «أسرلة» مئة ألف فلسطيني (سواء كان تعريفهم لاجئين أم مقيمين مؤقتين) بصورة ناعمة، وذلك عبر المدرسة والشارع والمشاريع الخدمية.