بعد أكثر من عشر سنوات في منصبه، وعشية انتخابات مفصلية لمستقبله السياسي والشخصي، يتباهى رئيس وزراء العدو الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ«الإنجازات» التي تحققت في ظلّ قيادته للكيان الإسرائيلي. وهو يركّز، في حملته الانتخابية، على أكثر من عنوان وقضية تتصل بالاستيطان والاقتصاد والانفتاح العربي على الكيان، إضافة إلى «المكانة الدولية» التي تحتلّها إسرائيل في الشرق والغرب. في المقابل، يتجاهل عمداً إخفاقاته خلال المدة نفسها، في مواجهة تطور قدرات المقاومة وتنامي عمقها الإقليمي، وما ترتب على ذلك من تعاظم التهديدات المحدقة بإسرائيل.أولاً يلاحَظ على «إنجاز» التمدّد الاستيطاني أنه أتى امتداداً للسياسة الاستيطانية المستمرة منذ عقود بفعل الاحتلال، لكن ما وفّر لإسرائيل المظلّة السياسية لهذا التغوّل تطوران أساسيان: الأول «اتفاق أوسلو» عام 1993 الذي تجاهل شرط وقف الاستيطان (مع تأكيد كونه كارثة بحق القضية الفلسطينية)، والثاني صمت الأنظمة التسووية، ثم تطور الأمر إلى مكافأة نتنياهو بانفتاح أنظمة الخليج على إسرائيل من دون مطالبته بأي ثمن، استيطاني على الأقل.
أما التطور الاقتصادي، فيعود إلى عوامل ذاتية أساسية وأيضاً إلى احتضان المعسكر الغربي الذي لا يخفي دعمه الاقتصادي للكيان عبر قنوات كثيرة. لكن الاقتصاد الإسرائيلي بدأ، وفق تقرير «البنك المركزي» الإسرائيلي، في نيسان/أبريل الماضي، يتدحرج نحو الركود. البنك أوضح أن معدل النمو الاقتصادي السنوي من سنة 2000 إلى 2016 كان في حدود 3.3% سنوياً، ومن شأن هذا المعدل أن يهبط إلى 2.7% من 2017 حتى 2035، وهذه نسبة تقارب الركود، لأن نسبة التكاثر السكاني الطبيعي السنوية في حدود 2%، فيما يعود ارتفاع التكاثر إلى نسبة الولادة العالية جداً لدى جمهور المتدينين.
بخصوص الانفتاح الخليجي، لا يعود ذلك إلى تكتيكات نتنياهو وبراعته، فهو لم يقدم تنازلات جوهرية أو شكلية في الملف الفلسطيني حتى يُنسب إليه «الإنجاز»، بل يعود الأمر في الدرجة الأولى إلى الأنظمة نفسها التي خذلت الشعب الفلسطيني، وقررت الالتحاق العلني بمعسكر التآمر الصريح والمباشر على المقاومة في فلسطين والمنطقة. وفي ما يتعلق بمكانة إسرائيل الدولية، هي كانت بالنسبة إلى الولايات المتحدة، قبل نتنياهو وبعده، كما عليه الآن. لكن ما نشهده من تطور في ظل الرئيس دونالد ترامب يعود إلى دينامية داخلية أميركية أنتجت هذا الرئيس الذي وفّر للكيان الإسرائيلي مظلة ودعماً كاملين كي ينفذ كل ما يطمح إليه على الساحة الفلسطينية. فكان ضمّ القدس والجولان، والوعد الآن بضم غور الأردن وسائر مناطق المستوطنات في الضفة... وصولاً إلى العمل من أجل تصفية القضية الفلسطينية. أما عن الدول العظمى الأخرى، فلا توجد مفاجآت، إضافة إلى أنه في ظل الانهيار العربي والتسابق للعلاقة مع إسرائيل لن يكون مفاجئاً هذا الانفتاح الدولي على الكيان.
في المقابل، يتجاهل نتنياهو المقارنة بين ما كانت عليه المقاومة في لبنان وفلسطين، في 2009، وما أصبحت عليه الآن، في 2019، لأن النتيجة ستكون قاسية جداً على الرأي العام بحساب المعطيات العسكرية والاستراتيجية. ورغم الانتقادات التي راكمها تجاه سياسة سلفه (ايهود أولمرت) في مواجهة القطاع، وتوعّده بأن الحل الوحيد للصواريخ هو القضاء على المقاومة وإسقاط حكم «حماس» في غزة، اليوم، بعد عشر سنوات، صارت فصائل المقاومة أكثر قوة وخبرة وتجذراً وردعاً. وها هو نتنياهو يعود إلى تكرار التهديدات على وقع هربه للاحتماء في السرداب من صواريخ المقاومة!
في مواجهة حزب الله في لبنان، تطوّرت قدرات الحزب باعتراف صريح ومباشر من رأس المؤسسة العسكرية، أفيف كوخافي، في أكثر من مناسبة، ليصير «جيشاً يملك أسلحة متطورة». وارتفعت أصوات المحذرين في الداخل الإسرائيلي من أن البنية التحتية باتت في دائرة الخطر. وفي ضوء هذه المعطيات، من الطبيعي أن يتعمّد نتنياهو تجنّب الإشارة إلى هذه المسارات، بل يحاول طمسها، ويكتفي بكلام عام عن تطور قدرات إسرائيل التدميرية وإطلاق التهديدات يميناً وشمالاً.
منذ ما قبل توليه رئاسة الحكومة عام 2009، حمل نتنياهو لواء مواجهة إيران، إذ كان إحباط البرنامج النووي الإيراني على رأس أولويات حكومته، لكن طهران واصلت تقدمها طوال وجوده في منصبه، وانتزعت اعترافاً دولياً بتحولها إلى دولة نووية عبر اتفاق 2015. والآن يجد الرجل نفسه أمام فشل جديد في رفض إيران الخضوع بعد خروج الولايات المتحدة من الاتفاق وفرض الحد الأقصى من العقوبات عليها بتحريض منه. وهو يواجه فشلاً جديداً بعد الخطوات النووية الجديدة التي أقدمت عليها طهران، وبلغت مع الخطوة الثالثة في تخفيف التزاماتها محطة مفصلية ستضع إسرائيل أمام تحدي الخيار المضاد.
في الموضوع السوري، ما زال الكباش مستمراً، واستطاعت إسرائيل أن تفرض مساحة من هامش الحرية في الاعتداء المدروس والهادف، لكن فضل هذا الإنجاز يعود في جذوره إلى الجماعات المسلحة والإرهابية. مع ذلك، واجهت إسرائيل في ظل نتنياهو سلسلة تحولات استراتيجية تمثلت في الفشل في إسقاط دمشق واستبدال نظامها ورئيسه بآخر ينتمي إلى المعسكر المعادي للمقاومة. وفي ظل نتنياهو، صارت روسيا جزءاً من البيئة الإقليمية الإسرائيلية، وهي تنظر إلى ذلك على أنه مستجد استراتيجي ينطوي على تهديدات وفرص في آن واحد. أما التهديد الجديد الذي يحتل مرتبة متقدمة في أولويات إسرائيل، فهو إعادة بناء وتطوير القدرات العسكرية والصاروخية في سوريا، وما تسميه إسرائيل التمركز العسكري الإيراني، وترى فيه امتداداً للمقاومة في لبنان.
بعد عشر سنوات في الحكم، تواجه إسرائيل، بتعبير نتنياهو، تهديداً خطيراً وغير مسبوق في معادلات الصراع، يتمثل في فرض طوق خانق من الصواريخ الدقيقة حول عنقها. لم يكن هذا التحدي ليبلغ ما بلغه إلا نتيجة الفشل المدوي في الاستراتيجية الأميركية ــــ الإسرائيلية طوال العقد الماضي، وكل ذلك خلال توليه رئاسة الحكومة.