مؤتمر بطيء العمل، متعدد المحاور، يشبه تقريباً المؤتمرات العربية، رغم حضور دولي للأمم المتحدة و«صندوق النقد» و«البنك الدولي» ومجموعة من رجال الأعمال العرب والأجانب والإسرائيليين. الوفد السعودي كان الأعلى تمثيلاً، إذا لم يحتسب البلد المضيف. الفلسطينيون نجحوا في اختبار المقاطعة، في وقت تواصل فيه الرفض في الأراضي الفلسطينية بالتوازي مع الاحتجاجات في الضفّة والإضراب في غزّة. لا كلام بارزاً في الإعلام إلا لجاريد كوشنر، وبعض التعليقات العربية المقتضبة، والمبهمة. وبانتظار البيان الختامي، لم يقدّم كوشنر أي مفاجأة، ولا سيما أن الترويج الذي سبق «الورشة الاقتصادية» فاقها صخباً وضجيجاً، إلى حدّ أنه يبدو، حتى الآن، أضخم من الحدث ذاته.أخيراً، خرج صهر الرئيس الأميركي ومستشاره، جاريد كوشنر، إلى الاستعراض العلني. صحيح أنه تحدث إلى وسائل إعلام سابقاً، لكنه أحبّ أن يبقى في دور المهندس لـ«صفقة القرن»، المتخفي قدر الإمكان. خرج وشرح ما لديه. في المحصّلة، كرّر كوشنر ما سبق أن قاله في تصريحاته الإعلامية الأخيرة. أعاد صياغة ما يريده في جمل إنشائية أكثر تنميقاً، فيما كانت الوجوه الخليجية «الكالحة» تنظر إليه. وهو سبق أن أكّد أنه لا يزال هناك شق سياسي من الصفقة مؤجل، لكنه لم يوضح بحكم ماذا، بانتظار تشرين الثاني/نوفمبر المقبل.
الآن، رأى صهر دونالد ترامب، الشاب، أنّ الاقتصاد «شرط مسبق ضروري لتحقيق السلام»، مخرجاً «القيح» منه بوصفه الخطة بأنها «فرصة القرن» لا «صفقة القرن». وقال في الجلسة الافتتاحية للورشة المنعقدة في المنامة: «التوافق حول مسار اقتصادي شرط مسبق ضروري لحلّ المسائل السياسية التي لم يوجَد حل لها من قبل... النمو الاقتصادي والازدهار للشعب الفلسطيني غير ممكنين دون حل سياسي دائم وعادل للنزاع يضمن أمن إسرائيل ويحترم كرامة الشعب الفلسطيني».
في خطوة إلى الوراء، أقرّ كوشنر بوجود «شكوك حيال نيّات الرئيس دونالد ترامب» الذي اعترف بالقدس «عاصمة لإسرائيل»، ولذلك قال: «رسالتي للفلسطينيين هي أنّه رغم ما يقول أولئك الذين خذلوكم في الماضي، الولايات المتحدة لم تتخلّ عنكم»، مضيفاً: «تجب الإشارة إلى هذا الجهد على أنّه فرصة القرن إذا تحلّت القيادة بالشجاعة لمواصلتها»، علماً أن الأوساط الفلسطينية ترى المبلغ المعروض، 50 مليار دولار على مدى عشر سنوات، بخساً حتى بالنسبة إلى مقياس التسليم.
«الفلسطينيون من أكثر الشعوب التي حصلت على مساعدات مالية»


وواصل المتحدث الأميركي: «ما طورناه يمثل الخطة الاقتصادية الأكثر شمولاً للفلسطينيين والشرق الأوسط الأوسع... بإمكاننا تحويل هذه المنطقة من ضحية لصراعات الماضي إلى نموذج للتجارة والتقدم في أنحاء العالم». ومضى يقول: «رغم ذلك، لن نبحث اليوم القضايا السياسية. سنفعل ذلك في الوقت المناسب»، ليعود ويشرح ما سبق أن صرح به: «الخطة ستؤدي إلى النمو، ويمكن أن تخلق مليون وظيفة وتخفض البطالة بنحو 10%... الخطة تقضي بفتح الضفة الغربية مع قطاع غزة». هكذا، بالتعاون مع شركاء الولايات المتحدة (لم يحددهم)، خلص كوشنر إلى أن واشنطن أعدت «أكبر خطة اقتصادية للفلسطينيين والشرق الأوسط»، خاصة أن «الفلسطينيين من أكثر الشعوب التي حصلت على مساعدات مالية، لكن كان ذلك دون برامج وخطط تنموية واضحة».
على صعيد الحضور، كان الوفد السعودي هو الأبرز والأعلى مستوى، ويرأسه وزير المالية محمد بن عبد الله الجدعان، ومعه وزير الدولة، عضو مجلس الوزراء، محمد آل الشيخ، ومحافظ «صندوق الاستثمارات العامة» ياسر الرميان، كما أفادت «وكالة الأنباء السعودية الرسمية» (واس). وبينما عاد المغرب وشارك رغم نفيه، بالموازاة مع مشاركة أردنية ومصرية بمستوى ثالث، جاءت مشاركة أبو ظبي «اقتصاديّة» الواجهة. وعلى هامش اللقاء، قال رجل الأعمال الإماراتي، محمد بن علي العبار، وهو عضو «المجلس التنفيذي لحكومة دبي» وأحد المساعدين الرئيسيين لمحمد بن راشد (نائب رئيس الإمارات)، إن «الحياة تبدأ بأشياء صغيرة». ورداً على سؤال عمّا سيقوله للإسرائيليين، كما نقلت عنه صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية، قال العبّار إن «الناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط يدينون للشباب بمحاولة حل المشكلات... أطفالنا يريدون أن يعيشوا حياة لها أمل، ونحن كرجال أعمال لدينا واجب».
من جهة أخرى، قال الرئيس التنفيذي لمجموعة «بلاكستون»، ستيفن شوارزمان، أمس، إن الخطة الاقتصادية التي قدمها كوشنر «قابلة للتنفيذ». لكنه نبّه خلال حضوره الورشة في المنامة، إلى أن الخطة «ليست طموحة بالقدر الكافي من الناحية المالية. لقد خصصت 27 مليار دولار للفلسطينيين، مع مساهمة رأسمالية لا تتعدى نحو 20%. ليست بذلك القدر الكبير». وأضاف شوارزمان: «أعتقد أن المستثمرين في الغرب سيتوخون الحذر الشديد من البداية... وسيأتون إذا كان هناك عائد».
على الهامش أيضاً، التقى (المضيف) الملك البحريني، حمد بن عيسى، الوفد الأميركي المشارك في الورشة، ومن ضمنه كوشنر ووزير الخزانة، ستيف منوتشين. ووفق «وكالة أنباء البحرين الرسمية» حمل رسالة من ترامب إلى الملك. ووفق الجدول المعلن، سيشارك رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، توني بلير، مع كوشنر غداً في «تقديم مؤشرات مفيدة حول كيفية تحقيق الرخاء في المنطقة». وإلى ذلك، قال الحاخام أبراهام كوبر، وهو عميد مساعد في مركز «سايمون ويزنتال» ويحضر القمة، إن «إيران تساعد في دفع الدول العربية والإسرائيليين معاً بسبب التهديد الوجودي»، مضيفاً: «كلما زاد تطبيع التفاعل، كانت الفرصة أفضل للفلسطينيين».