غزة | تحت أشعة شمس غزة الحارقة، يسير أبو إيهاب خميس في أزقة الشجاعية، شرقي مدينة غزة. الرجل عمره من عمر النكبة، 71 عاماً. حبّات العرق تتجمّع على تجاعيد وجهه ويديه. ينادي على خضرواته التي بسطها على عربته. خميس قد يكون أحد الذين سيستفيدون من الأموال التي ينوي المجتمعون اليوم في المنامة استثمارها في فلسطين. لكن الثمن المقابل لهذه الأموال هو التخلّي عن الأرض. بلهجة فلّاحية وبحنكة السياسي، يعبّر اللاجئ من مدينة يافا المحتلة عن رفضه «صفقة القرن»، قائلاً: «شعبنا ما عمرو تنازل عن أرضه ووطنه مقابل مال، فكيف وإحنا الآن عنا مقاومة وعنا إرادة أصلب وأقوى من قبل!». يدرك خميس طبيعة المغريات المُقدَّمة إلى الفلسطينيين من أجل حملهم على قبول الرؤية الأميركية لحلّ قضيتهم، لكنه يقول: «لما بدهم يعطونا قصور وفلل في غير فلسطين مش رح نقبل»، ويضيف منفعلاً: «فلسطين أمّنا، رضعنا حليبها وإحنا صغار، كيف نبيعها؟».على شاطئ بحر غزة، يبيع خالد القهوة. الشاب، الذي ناهز عمره الثلاثين، كان قد تخرّج من كلية الهندسة، لكنه لم يجد عملاً يناسب شهادته، فاضطرّ إلى بيع القهوة. يعي خالد مرارة الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون: «نحن في أسوأ وضع منذ 70 عاماً»، إلا أنه يعتبر هذا الوضع مفتعلاً من قِبَل الدول العربية والاحتلال، بهدفه إجبار الفلسطينيين على التخلّي عن حقوقهم. برأيه، ما يجري «نكبة جديدة للفلسطينيين، لكنها هذه المرة بمشاركة الدول العربية، التي وصل بها القبح إلى أن تدفع هي الثمن وليس إسرائيل أو الولايات المتحدة».
على الشاطئ أيضاً، يجلس رامز، ابن الـ43 عاماً، والموظف في حكومة غزة. قد يقول أحدهم: أن تكون موظفاً حكومياً فهذا أمر جيّد، إذ إنك ستكون متأكداً من أنك ستتلقى راتبك شهرياً. هذا صحيح، إلا في غزة، حيث يتقاضى رامز 40% من راتبه كلّ 40 يوماً. من وجهة نظره، ما تشهده المنامة «هدفه إنهاء القضية الفلسطينية، وتوطين اللاجئين الفلسطينيين، وتطبيع الدول العربية علاقاتها مع العدو الإسرائيلي». يعدّد رامز أسماء الدول المشاركة في المؤتمر، فيجد بينها قاسماً مشتركاً، هي «دول يخشى حكّامها من مواطنيهم، وأن تثور عليهم شعوبهم، ويريدون من أميركا تثبيتهم في الحكم».
يرفض أهالي غزة إنهاء القضية الفلسطينية مقابل بعض المشاريع والأموال


في المقابل، بعض الشبّان، بدافع من أوضاعهم المعيشية الصعبة، يتبنّون نظرة «أكثر اعتدالاً» لـ«مؤتمر البحرين». من بين هؤلاء محمد حسن، المتخرج العاطل من العمل. يعبّر الشاب الثلاثيني عن رفضه «صفقة القرن» و«ورشة المنامة»، لكنه في الوقت نفسه يدعو إلى انتظار مخرجات «الورشة» وانعكاساتها. يُدرك حسن صلابة الموقف الفلسطيني في التصدي لهذا المشروع وللمشاريع التي استهدفت إنهاء القضية الفلسطينية، إلا أنه يشدد على ضرورة التوصّل إلى حلّ للخلاف الداخلي في مواجهة تلك المخططات، قائلاً: «إذا لم نتوحّد كفلسطينيين، ستمرّ الصفقة والمخططات ونحن ننظر إليها». كذلك، لا يرى حسن مانعاً من محاولة تخفيف المعاناة عبر دراسة ما يطرحه الأميركيون من مشاريع، قبل أن يستدرك قائلاً: «لا يفهمنّ أحد دعوتي بشكلٍ خاطئ، الدعوة هي من أجل إصلاح ما سبّبه الحصار لسكان قطاع غزة منذ أكثر من 13 عاماً، ولكن من دون أي تنازل هنا أو هناك».
السبعينية أم وافي، هي والدة لجريحين أصيبا خلال الانتفاضتين الأولى والثانية. عند سؤالها ماذا تعرف عن «صفقة القرن» و«مؤتمر البحرين»، يأتي جوابها بسيطاً ومباشراً وواقعياً: «هي محاولة لسرقة حقوقنا وبيعنا في المزاد العلني بطريقة ملتوية». تجاعيد وجهها تعكس ما مرّ عليها في قطاع غزة، تقول: «منذ احتلال فلسطين، واليهود والأميركان يحاولون الضحك على الشعب الفلسطيني والالتفاف على حقوقه، لكنهم فشلوا في كل محاولاتهم، حتى بالدم والحروب فشلوا». تضيف: «يحاولون الآن تقديم المال رشوة للشعب للسكوت عن حقه في ظلّ ما يعيشه من أزمة مالية وحصار منذ سنين طويلة». تشتكي السيدة من صعوبة توفير مسلتزمات الحياة في غزة، لكن، على رغم كلّ الإغراءات الاقتصادية، تقول بثقة: «شوفا إحنا بنعرف شعبنا، لو ما لاقاش ياكل مش ممكن يبيع حقه أو يتنازل عنه، ولو بكل مال الدنيا».
أما الجريح أحمد السوافيري، الذي فقد قدميه ويده اليسرى في قصف إسرائيلي عام 2006، فلا يعتقد أن «صفقة القرن» أو مخرجات «مؤتمر البحرين» ستمرّ. وبرأيه، المؤتمر «مجرد واجهة لربط الدول العربية بإسرائيل لتشكيل تحالف يواجه المقاومة في المنطقة».