تهاني نصّاريصدح الموال في تلك القرية الجديدة، نشاهدها أنا وأمي من منزلنا في مخيم برج البراجنة في بيروت، تدمع عيناها كثيراً حين مشاهدتها، أمي من فقدت والدها في تل الزعتر قبل سنين طويلة، لا تزال ترى فلسطين أقرب من أي مكان في الدنيا: «هادول مش ناشطين، هادول عشاق يما». هكذا تقول جدتي، أم علي، التي ما زالت كما هي مذ خرجت من فلسطين، نفس الحكايا، نفس الأحلام، نفس العودة، وتظل تحكي وتبتسم، ثم تخفي دمعتها بشيء من خجل!

الشبان الذين تجمّعوا يغنون المووايل في قرية «عين حجلة» المنشأة حديثاً، يرقصون الدبكة، يزغردون حول النار، وهم محاصرون من قبل قوات الاحتلال الاسرائيلي، قد يطردون اليوم، كما حصل في قرى سابقة، لكنهم سيعودون غداً، ويقيمون قريةً أخرى، بمسمى آخر يشبههم، كما يفعلون الآن، مسمّى يشبه أهل فلسطين الحقيقيين. هؤلاء الشبان الذين أعرف بعضهم شخصياً من مخيم شاركوا فيه في بيروت قبل سنتين، يؤمنون بالمقاومة الشعبية، تلك التي لا تتضمن سلاحاً إلا القلب القوي والصوت المرتفع والروح المتحدية. يوم شاهدتهم لم أكن أعرف الكثير عن هذا الأسلوب بالمقاومة، كل ما كنت أعرفه هو المقاومة المسلّحة. لكنّ الشباب القادمين من الأرض المحتلة – يوم ذاك - حكوا لنا، نحن المشاركين من مخيمات العودة في لبنان، أنَّهم يقيمون مواجهات أسبوعية في كل من قرى نعلين وبلعين ضد جيش الاحتلال وجنوده. كانت المقاومة الشعبية شيئاً جديداً علينا، لكننا برغم ذلك، وقد لا يقتنع كثيرون منا بهذا، فهمنا أن هذه المقاومة الشعبية قد تكون وسيلةً ناجعةً ضد عدو لا يفهم بأي لغة إلا المقاومة!
فشبانها يتحدونه بصدورهم العارية، دون أي سلاح سوى صوتهم وأغانيهم وأحياناً حجارتهم. سخر منهم بعضنا، وعاندهم البعض الآخر، لكننا اتفقنا على أنهم شجعان وللغاية!
فأن تقف بمواجهة عدو مستعد لإطلاق النار عليك وقتلك دون أي مبرر لهو أكثر من شجاعة: هو مقاومةٌ بكل ما تعنيه الكلمة من معنى!
الشبان الذين أتوا من جميع أنحاء فلسطين تجمعوا هذه المرة في قرية «عين حجلة»، التي أنشئت بغرض دعم صمود أهالي منطقة الأغوار الفلسطينية ضد نشاطات دولة الاحتلال ومستوطنيها الهادفين إلى طرد الأهالي الأصليين من تلك المناطق بكل الوسائل القمعية.
أمي لا تزال تدمع عيناها كلما مرت أخبار «الشباب في عين حجلة»، شأنها شأن جميع أخبار التظاهرات في فلسطين القريبة ـــ البعيدة، وجدتي تبتسم وتحكي أشياء كثيرة عن فلسطين، فلسطينها التي لا تزال ماثلة في ذاكرتها.

عين حجلة: هي قرية فلسطينية في الضفة الغربية، تهجر أهلها عام 1967 بسبب ممارسات العدو الصهيوني المستمرة.