تُظهر التقارير المُرسلة من الممثلية الأردنية في رام الله، إلى وزارة الخارجية والمغتربين في عمّان، حجم القلق الأردني ممّا قد يصيب المملكة من تبعات «صفقة القرن»، التي ينوي الرئيس الأميركي الكشف عن بنودها في حزيران/ يونيو المقبل. التوجس الأردني مفهوم، خاصة بعد ما كشفه الإعلام الأميركي والعبري عن الضريبة الثقيلة التي ستدفعها المملكة الأردنية لجهة احتمال توطين الفلسطينيين الموجودين فوق أراضيها، وسحب الوصاية الهاشمية عن المسجد الأقصى والمقدسات في القدس منها ومنحها للمملكة السعودية، وإمكانية اقتطاع أراضٍ من حدودها الشرقية لمنحها للفلسطينيين مقابل تعويضها بأجزاء من شمال السعودية.تُبيّن التقارير الأردنية التي حصلت «الأخبار» على نسخة منها، أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، طلب من «القيادات الفلسطينية عدم مواجهة الولايات المتحدة الأميركية تحت أي عذر، وإنما البحث عن راعٍ جديد لعملية السلام المتعثرة»، وذلك بعد اعتراف ترامب بالقدس عاصمة للعدو الإسرائيلي في كانون الأول/ ديسمبر 2017. وقال رئيس مكتب تمثيل المملكة الأردنية الهاشمية في رام الله، خالد الشوابكة، في تقرير أرسله للخارجية الأردنية بعد لقائه مستشار عباس وصهر عضو اللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير» أحمد مجدلاني، بشارة العزة، في 20/12/2017، إن السلطة أرسلت مجدلاني إلى الصين ونبيل شعث إلى روسيا لإقناع بكين بتقديم طلب للانضمام إلى الرباعية الدولية، و«أن يكون الهدف هو عدم المواجهة مع الجانب الأميركي، بل تقوية الدائرة وتقديم الدعم للإدارة الأميركية لتقديم رزمة لعملية سلام مرضية وعادلة للأطراف كافة».
اعترض «أبو مازن» على الطرح معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية (أ ف ب )

وحول العلاقات السعودية ــــ الفلسطينية، قال الشوابكة في تقرير آخر بتاريخ 26/12/2017، إنه «خلال حفل العشاء مساء أمس الإثنين الموافق لـ 25/ 12/ 2017 تحدثت مع المستشار الدبلوماسي للرئيس محمود عباس مجدي الخالدي، وعند استفساري منه حول زيارة عباس للسعودية، علمت منه ما يلي: اللقاء الأخير مع الأمير محمد بن سلمان كان لطيفاً وأفضل من اللقاء الأول الذي سبق مؤتمر اسطنبول». وبحسب التقرير، فإن «ابن سلمان أعلم عباس بأن الأميركيين مستعدون لمنح الفلسطينيين الأرض التي يعيشون عليها وستكون لهم، والمطلوب من السعودية ودول عربية أخرى توفير الدعم المالي لدعم الفلسطينيين وإنشاء مشاريع في أراضي الضفة الغربية ستؤدي إلى ازدهار اقتصادي وتوسع في مناطق (C , B)»، وأن «السعودية ستدعم السلطة بمبالغ تتجاوز 4 مليارات دولار مبدئياً». ونقل الشوابكة في تقريره أن «عباس شرح لمحمد بن سلمان الوضع القائم، وأنه لن يستطيع تقديم أي تنازلات في ما يتعلق بالمستوطنات وحلّ الدولتين والقدس، وأن لديهم تأكيدات بأن الأميركيين لن يقدموا أي مقترحات جدية (مكتوبة) لعرضها، بل سيتبعون التكتيك نفسه الذي طُبّق سابقاً (وعد بلفور)، وأن أي ضغوطات من أي جهة ستدفع السلطة إلى حل مؤسساتها وتحميل إسرائیل مسؤولية إدارة الأوضاع في الأراضي المحتلة». وبحسب التقرير الأردني، فإن الجانب الأميركي «أقنع محمد بن سلمان بأن هبّة القدس (بعد إعلان ترامب اعترافه بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال) لن تستمر أكثر من شهر، وسيعود الوضع إلى ما كان عليه سابقاً، وسيتم تجاوزه بسهولة، خصوصاً إذا تناست الأردن ومصر ما جرى، حيث إن الدول العربية غير مهتمة كثيراً بموضوع القدس، وكذلك الدول الإسلامية الأخرى».
الجانب الأميركي أقنع ولي العهد السعودي بأن هبّة القدس لن تستمر أكثر من شهر


ونقل الشوابكة عن الخالدي قوله إن «السلطة لا تعوّل على لقاء وزراء الخارجية المزمع عقده في عمان قريباً، لأن وجود الإمارات العربية ضمن المجموعة يؤكد بلا شك أن الاجتماع لن يخرج بأي نتائج إيجابية (مبادرة ولدت ميتة)»، وإن «تأجيل الاجتماع الذي كان مزمعاً عقده يوم 23/ 12 / 2017 كان بإيعاز من الإمارات لمصر». وكرر الشوابكة تحذيرات مستشار عباس من أن «الذي سيدفع الثمن في النهاية هو الأردن وفلسطين»، لافتاً إلى أن وزيرة السياحة السابقة، لينا عناب، نقلت أيضاً عن عباس تأكيده مرتين، خلال التقائه بها، أن «القدس والمقدسات مسؤولية أردنية هاشمية وأن الذي سيدفع الثمن الأردن وفلسطين».
وفي ختام تقريره، وضع الممثل الأردني ملاحظاته، قائلاً إن «الخالدي يسعى إلى إيصال رسائل بأن القيادة الفلسطينية لن تتنازل عن أي حق من حقوق الفلسطينيين مهما كان الثمن، وإن لديهم شكوكاً في مواقف بعض الدول العربية غير الواضحة، حيث بيّن أن مصر ليس لديها اهتمام كبير، نظراً إلى بعدها الجغرافي عن القدس وإلى مصالحها (الثنائية) مع الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول العربية. وكرر عدة مرات مسؤولية الأردن عن القدس والمقدسات والتبعات المستقبلية على الوضع بشكل عام في الأردن وفلسطين».
أما في تقريره بتاريخ 4/1/2018، فقد كتب الشوابكة للخارجية الأردنية قائلاً: «علمنا من مدير مكتب أحمد مجدلاني ما يلي حول زيارة الرئيس محمود عباس الأخيرة إلى السعودية والتي تكتم على فحواها. تم العرض على الرئيس الفلسطيني بعض الأشياء التي رفض الحديث عنها ولكنها أزعجته. تم عرض عشرة مليارات دولار لتحسين الوضع الداخلي في أراضي الضفة الغربية، وترتيب وضع اللاجئين وتوطينهم، وستقوم السعودية بتحسين أوضاعهم المستقبلية، .سفارة لدولة فلسطين في أبوديس، ودعم غير محدود مالي وسياسي بعد اتخاذ القرار».
وبحسب معلومات حصلت عليها «الأخبار»، فإن ابن سلمان أبلغ عباس في هذا اللقاء تفاصيل «صفقة القرن»، طالباً منه قبولها والسير بها. ووفقاً للمعلومات، فإن «ابن سلمان سأل عباس ما هي ميزانية حاشيتك سنوياً، فردّ عباس لست أميراً ليكون لدي حاشية، فأوضح ابن سلمان: كم تحتاج السلطة ووزراؤها وموظفوها من مال؟»، فأجاب عباس: «مليار دولار»، فردّ ابن سلمان: «سأعطيك 10 مليارات دولار لعشر سنوات إذا وافقت على الصفقة». إلا أن «أبو مازن» اعترض على الطرح، معتبراً أن ذلك سيؤدي إلى نهاية حياته السياسية.



مستشار عباس: «المتغطّي بالأمريكان عريان»
يبدو أن مكتب تمثيل المملكة الأردنية في رام الله مكان مفضّل لقيادات السلطة للبوح بما يعتمل في نفوسهم. ففي 7/ 3 / 2018، التقى القائم بأعمال مكتب التمثيل الأردني نزار القيسي، قاضي القضاة ومستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية محمود الهباش. خلال اللقاء، أورد الهباش تفاصيل عن الوضع الداخلي لـ«المجلس الوطني» واللجنة التنفيذية لـ«منظمة التحرير»، قائلاً القيسي: «اجتمعت مع حركة حماس وجماعة (القيادي الفتحاوي المفصول محمد) دحلان في القاهرة ولكن من دون جدوى. نحن وحماس نعلم أن الوضع الحالي هو (إدارة أزمة) فقط لا غير». وانتقد الهباش النظام المصري الجديد، واصفاً إياه بـ«قلة الخبرة»، وبأنه «يضع ثقته بالأميركان والإمارات والسعودية بطريقة غير حكيمة، والمتغطّي بالأمريكان عريان». وأضاف الهباش: «ما وراء رسالة السعوديين إلى الرئيس أبو مازن هو الموافقة على الصفقة (صفقة القرن)، هذه قناعتنا». واعتبر أن «الصفقة (صفقة القرن) ستغير الأسس التي تقوم عليها دول الأردن ولبنان وسوريا وسيناء وحتى دول الخليج، وبالتالي يجب أن لا نغيب عمّا يقوم به الأميركيون وأدواتهم في المنطقة، وما يحدث في قناة السويس ما هو إلا المناخ الطبيعي لحماية مصر من الناحية الشرقية، وسيناء ستتحول لحل من الطروحات لإقامة الدولة الفلسطينية، وما تبقى من الضفة (كانتونات) يتبع إدارياً للأردن وأمنياً لإسرائيل، وهذا تدمير للأردن وفلسطين والعرب». ورأى الهباش أن «سياسة الأميركان حالياً کرست سياسة الخلاص الفردي لدول عربية، كما هو الحال في مصر والسعودية والإمارات».


رئيس السلطة الفلسطينية «محبَط»
بعد لقائه وزير الأشغال الفلسطيني مفيد الحساينة، رفع رئيس مكتب تمثيل المملكة الأردنية في رام الله خالد الشوابكة تقريره للخارجية الأردنية بتاريخ 24/1/2018. نقل الحساينة للممثل الأردني أن «(رئيس جهاز المخابرات العامة الفلسطينية) اللواء ماجد فرج لا يغادر منزله منذ أسبوعين ويعاني من حالة صحية سيئة، بعد مواجهته من قبل الرئيس (محمود) عباس بأنه والسفير الفلسطيني في واشنطن حسام زملط كانا على معرفة مسبقة بمجريات صفقة القرن، ونقل السفارة الأميركية إلى القدس، وإصرار زملط وفرج آنذاك على الرئيس عباس التوجه إلى واشنطن، ما كان سيؤدي إلى نسف تاريخ الرئيس عباس لولا تدخل رئيس الوزراء السابق سلام فياض وإقناع عباس بعدم الذهاب لواشنطن لأن هناك فخاً ينصب له». وقال الحساينة إن «تسريب قضية بيع الأراضي المملوكة لمنظمة التحرير الفلسطينية والتي تبلغ قيمتها 950 مليون دولار، جرى بإيعاز من اللواء ماجد فرج، رداً على تهديد الرئيس عباس له، والمتورطون في القضية هم طارق (نجل الرئيس عباس) واللواء شحادة (إسماعيل مسؤول الحرس الخاص لعباس) الذي أقيل قبل 3 أسابيع، ومحامي الرئاسة الفلسطينية كريم شحادة! هناك تسريبات بأن تغييرات كبيرة ستطال مواقع كبيرة في مفاصل السلطة الفلسطينية، بما فيها المحافظون الذين يتبعون مباشرة للرئيس عباس». ونقل الشوابكة عن الحساينة قوله إن «الرئيس عباس أصبح محبطاً، خصوصاً في الآونة الأخيرة، حيث تم خذلانه من قِبَل أقرب الموالين له، وهم اللواء شحادة، الذي تم الاستغناء عن خدماته بصمت، حتى لا تثار ضجة، نظراً إلى قربه من عباس منذ ما يزيد على عشرين عاماً، والآن اللواء ماجد فرج، والسفير حسام زملط الذي تحدى الرئيسُ لأجله الكثير من القيادات الفلسطينية والشعب الفلسطيني لتعيينه سفيراً في واشنطن».