غزة | لم تمضِ ساعات على إعلان الحكومة الفلسطينية في رام الله، برئاسة محمد اشتية، أداء قسم اليمين أمام رئيس السلطة، محمود عباس، أول من أمس، حتى تسبب خطأٌ بإعادتها القسم مرة أخرى مساء أمس. وكان الخطأ غياب جملة «الإخلاص للشعب ولإرثه التاريخي» من نصّ حلف اليمين، ما أثار تهكّماً في أوساط كثيرة. الحكومة التي تضم 21 وزيراً، 5 منهم كانوا في حكومة «الوفاق الوطني» السابقة، احتفظ فيها اشتية بحقيبتَي «الداخلية» و«الأوقاف» إلى حين تكليف شخصيتين بهما، في خطوة أرجعتها مصادر مقرّبة منه إلى وجود خلافات مع شخصيات مقربة من عباس وحركة «فتح» (راجع عدد السبت). لكن بقاء شخصيات وزارية في مكانها أثار غضب قيادات من «فتح»، أبرزهم مدير الإعلام في مفوضية الحركة، منير الجاغوب، كما انتُقد بقاء رياض المالكي لأطول مدة بين الوزراء الذين أمسكوا «الخارجية»، إذ سجّل 12 عاماً في المنصب نفسه.
كذلك، ضمّت الحكومة ثلاث نساء وخمسة وزراء من قطاع غزة، فيما شارك عدد محدود من فصائل «منظمة التحرير» بوزير عن كل جهة، وهذه الفصائل هي: «جبهة التحرير العربية» و«الجبهة العربية لتحرير فلسطين» و«جبهة التحرير الفلسطينية» وحزبا «الشعب» و«فدا». وأثارت مشاركة الحزبين الأخيرين غضباً داخل ما بات يعرف بـ«التجمع الديموقراطي» الذي يضم خمس قوى يسارية («الجبهة الشعبية»، «الديموقراطية»، «المبادرة العربية»، «فدا»، «الشعب»)، إذ رأى التجمع أن هذه المشاركة «خارج برنامجه»، فيما ردّ «الشعب» بأن بيان التجمع «صدر من دون توافق بين مكوناته».
في المقابل، قالت مصادر إن حركة «حماس»، التي أعلنت رفضها الحكومة منذ بداية تكليف رئيسها، شرعت رداً على ذلك في إجراء تدوير في بعض الوزارات في غزة، بادئة بوزارة الداخلية قبل أسابيع، فيما من المتوقع أن تشمل العملية وزارات أخرى. وتشير المصادر إلى أن الهدف هو «تطوير العمل الحكومي»، من دون الإشارة إلى احتمالية إعلان أي جسم بديل في القطاع إلى هذه اللحظة. وفي الوقت نفسه، أكدت «حماس» أنها لن تتعامل مع نتائج تأليف الحكومة الجديدة، وأنها «تنتظر موقفاً من القاهرة بصفتها الوسيط في ملف المصالحة».
قدّرت الفصائل أن هناك تأجيلاً إسرائيلياً جديداً في تطبيق التفاهمات


لكن هذا الترقب لم يلغِ تطوير العلاقة الاقتصادية مع مصر عبر زيادة الواردات منها، والسماح بزيادة الصادرات من القطاع، في الأيام الأخيرة. كذلك، نفت المصادر تلقّي الحركة «أي جديد حول ملف المصالحة، أو الحديث عن لقاءات جديدة». في الوقت نفسه، وبالتوازي مع استمرار إضراب الأسرى لنحو أسبوع، تقول المصادر إن الوفد الأمني المصري يواصل اتصالاته مع الإسرائيليين في قضية الإضراب، إلى جانب تدخل الأمم المتحدة لمنع التوتر قبل الوصول إلى السابع عشر من الشهر الجاري الذي يوافق «يوم الأسير الفلسطيني». ومن المقرر أن يخوض نحو 25 أسيراً الإضراب عن الماء في ذلك اليوم، إذا أصرّت «مصلحة السجون» الإسرائيلية على رفض الاستجابة لمطالبهم.
في ضوء ذلك، تدرس الفصائل الفلسطينية في غزة العودة إلى استخدام وسائل المقاومة الشعبية «الخشنة» (الإرباك الليلي» و«البالونات الحارقة»)، جرّاء «التلكّؤ الإسرائيلي» في تطبيق التفاهمات الأخيرة، إضافة الى خروق إسرائيلية للاتفاق. وتترافق نية التصعيد مع مناورات عسكرية علمت «الأخبار» أن «كتائب القسام»، الجناح العسكري لـ«حماس»، أجرتها خلال الأسبوع الماضي، وكانت تحاكي التصدي لمحاولات اختراق إسرائيلية في عمق محافظات القطاع. وتقول أوساط سياسية في الفصائل إن الاستهداف المباشر للمتظاهرين خلال الجمعة الماضية، والذي أدى إلى استشهاد الفتى ميسرة موسى أبو شلوف ( 15 عاماً) إثر إصابته برصاصة في البطن، شكّل اختراقاً واضحاً لتفاهمات التهدئة التي تنص على عدم استخدام الاحتلال الرصاص الحي ضد المتظاهرين.
وتشير هذه الأوساط إلى تعمد الاحتلال استهداف الصيادين خلال محاولتهم الصيد في مدى 15 ميلاً سُمح لهم أخيراً بالوصول إليها، علماً بأن زيادة المسافة، التي سمح بها الاحتلال، لم تتجاوز وسط القطاع حتى خانيونس، إذ لم يسمح عملياً بالصيد شمال القطاع أو جنوبه لاعتبارات تتعلق بوجود حقول غاز في المنطقة الشمالية وإجراءات أمنية تدعيها قوات الاحتلال جنوباً، ما أفقد توسيع مساحة الصيد قيمتها، خاصة أن المنطقة المسموح بها تفتقر إلى الأسماك، وفق روايات الصيادين.
من جهة أخرى، يتلكّأ العدو في إدخال الأموال القطرية، إذ حلّ منتصف الشهر فيما لم تُعلم بعد قيمة المنحة أو حجم الدفعات التي سيسمح بها. لكن مصادر في الأمم المتحدة تقول لـ«الأخبار» إن المندوب القطري، محمد العمادي، قد يصل القطاع في أي لحظة، وهو أخبر الأطراف المعنيين بذلك، في محاولة لامتصاص غضب الفصائل. أما المصادر الفصائلية، فقالت إنها طلبت من الدوحة رفع قيمة المنحة إلى 40 مليون دولار، وهي القيمة التي وعد وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن، بالنظر بإيجابية فيها.
وسط هذه المعطيات، ترى الأوساط المعنية أن إسرائيل تعود إلى «التلكؤ» في تطبيق التفاهمات، لا إلغائها حالياً. ومن بين هذه التفاهمات المؤجَّل تطبيقها مشاريع التشغيل المؤقت التي ستموّلها قطر لتزيد إلى 20 ألف وظيفة بدلاً من 6400 كانت مُقرّة عبر «وكالة الغوث»، إلى جانب وعود بإدخال وفود من الاتحاد الأوروبي والبنك الدولي لبحث عملية تطوير الكهرباء وإنشاء مناطق صناعية، وهي البنود التي كان متفقاً على تنفيذها بعد الانتخابات الإسرائيلية.