في التحليل، الواضح أن نشر التقويم الاستخباري السنوي والتركيز عليه في الإعلام العبري، مع الإدراك المسبق أنه سيصل إلى الجانب الثاني في غزة، وتحديداً للجمهور والقيادة، اتجاهان متقاربان، وإن كانا متباينين في الجوهر.
في وجه، التقويم كما نشرت تفاصيل منه، وتحديداً حول القطاع، هو تقدير واقع قائم من شأنه أن يتفاعل مع ترجمة التفاعل تصعيداً. في هذه الوجهة، التقويم يعد توصيفياً وإن غابت عنه أسبابه الدافعة إلى نتيجته، أي الحصار الإسرائيلي للقطاع. في ذلك أيضاً تعمية عن الأسباب والتركيز على النتائج، بأن سبب المواجهة المقبلة هي رد الفعل الفلسطيني ضد الحصار وليس الفعل الابتدائي للاحتلال في الحصار نفسه.
ضمن هذه الوجهة أيضاً يعدّ ترجيح التصعيد كما ورد في التقويم، لأيام قتالية لا حرب واسعة، ترجيحاً معقولاً، على رغم أن الحديث عن محدودية هذه المواجهة والمدى الذي يمكن أن تصل إليه هو تحديد سابق لأوانه، وإن كانت «أمان» هي الأقرب إلى الواقع الفلسطيني في القطاع، قياساً بأي جهاز استخباري آخر.
نشر التقويم محاولة استباقية لردع الفلسطينيين وتخويفهم من الآتي
في الوجهة الثانية لنشر التقويم ولفته إلى التحذير من المواجهة، مصحوباً بالكشف عن رفع الاستعداد العسكري وجاهزية الاحتلال، وكذلك أن كوخافي يشرف على تحويل الجيش إلى جيش «هجومي فتاك»، هي كلها محاولة استباقية ــــ وقائية لردع فلسطينيي القطاع وتخويفهم من الآتي، لعلّها تخدم الموقف الإسرائيلي الرافض لفك الحصار، ودفع الفصائل إلى الانكفاء عن مقارعة هذا الحصار.
في المحصلة، لا إشكال في خلاصة التقويم الإسرائيلي حول غزة، وإن حاولت إسرائيل تظهير الرد الفلسطيني على أنه السبب في المواجهة المقبلة، لا الحصار نفسه. قد يكون القطاع في أسفل سلم التهديدات التي تواجهها إسرائيل في 2019 قياساً بتهديدات ساحات أخرى، لكنها في المقابل الجبهة الأكثر عرضة للانفجار، وهذا ما تعمل تل أبيب على الحؤول دونه في كلامها التهويلي، وإعطاء الغزيين جرعات محدودة اقتصادية هي دون ما يجب فعله للحؤول دون التصعيد الذي تحذر منه.