غزة | مع تعرقل المصالحة الفلسطينية الداخلية وتعليق نتائج الاتفاقات السابقة، تستمر المناكفات بين كل من حركة «فتح» الممسكة بالسلطة في رام الله، وحركة «حماس» التي تدير ما تبقى من وزارات قطاع غزة. وبينما مات 6 أشخاص بفيروس «إنفلونزا الخنايز» قبل أيام في القطاع، مع غياب اللقاحات اللازمة وتقاذُف الطرفين المسؤولية، يتفاقم «الانقسام الصحي» الذي يدفع المواطنون ثمنه بدرجة أولى. ومن نماذج هذا الانقسام رفضُ وزارة الصحة في رام الله اعتماد مسكّن «الفولتامول» كعقار يُصنع ويُسوق في غزة، بل أصدرت تعميماً تطعن فيه على صحة وأمان هذا العقار بسبب احتوائه على «الديكلوفين» مع «الأكامول»، التركيبة التي تراها نوعاً من المخدرات، فيما تصر «الصحة» في غزة على رفض القرار.و«الفولتامول» أحد منتجات «شركة الشرق الأوسط لصناعة الأدوية ومستحضرات التجميل» (ميجافارم)، ويوصف بأنه نوع من المسكنات القوية التي تُصرف من دون وصفة طبية، ومكتوب أنه يتكون هذا من «الديكلوفين» مع «الأكامول» أو «البارسيتامول»، وتعود حقوق ملكيته إلى شركة «سيبلا» الهندية، فيما يقول صيادلة إن هذه التركيبة تعطي مفعولاً قوياً لتسكين الألم في غضون عشر دقائق. وفي دراسة نشرتها «جمعية أطباء التخدير الأميركية» عام 2010، أوصت باستخدام البارسيتامول مع مضادات الالتهابات (منها الديكلوفين) بعد العمليات الجراحية وذلك لتخفيف وتسكين الألم.
وبما أن الهند ليست من الدول التي تعتمدها السلطة دوائياً، هذا العقار محكوم عليه بـ«عدم القانونية» لدى رام الله. تقول مدير دائرة التسجيل الدوائي لدى «الصحة» في رام الله، ميساء شلطف، إن «الشرق الأوسط» خاطبتهم في شأن تسجيل «الفولتامول»، لكن «لأن هذا الصنف لا يوجد له مستحضر شبيه في الدول التي تعتمدها السلطة فإنه لا يُسجل ولا يُرخص في السوق الفلسطينية»، مضيفة: «من أين أتت هذه التركيبة الدوائية؟».
وتعبير «مستحضر شبيه» يعني اتفاق العقار بتركيبته مع عقار آخر ضمن الدول التي تعتمدها السلطة في التعامل الدوائي، وهي: الولايات المتحدة وكندا وأوروبا والاتحاد الأوروبي وأستراليا واليابان، أو دول الجوار: مثل الأردن والسعودية والإمارات. وتشرح شلطف بأنه لتسجيل أي صنف، «نطالب صاحب العقار بتزويد الدائرة بالمستحضر المرجعي»، ثم تجرى المقارنة، مضيفة: «الفولتامول هندي، والهند ليست ضمن الدول التي تعتمدها السلطة».
وبما أنه توجد وزارتا صحة في مناطق السلطة، فإن أي شركة أدوية فلسطينية تحمل دفترين، وهو وضع غير طبيعي كما يرى أصحاب الشركات.

أضرار صحية؟
بعيداً عن خلفيات القرار، ومن وجهة نظر طبية بحتة، تقول بعض التقارير إن التركيبة السابقة (الديكلوفين مع الأكامول) لها أعراض جانبية على القلب، الأمر الذي يوضحه الطبيب حازم ضهير، وهو استشاري أمراض القلب في مستشفى ناصر في خان يونس (جنوب القطاع)، قائلاً إن المشكلة لا تكمن في وجود الديكلوفين والبارسيتامول (أو الأكامول) معاً، بل في وجود الديكلوفين أصلاً. هنا تشير أحدث الدراسات، وقد أجريت آخرها في إيطاليا عام 2016 على أكثر من 2000 شخص، إلى أن متعاطي الديكلوفين أو التروفين أو غيرها من المنتجات الجديدة تزداد لديهم احتمالية الإصابة بأمراض القلب، خصوصاً الشرايين التاجية.
أُلزمت شركات الأدوية في القطاع إعادة التسجيل والترخيص بعد الانقسام


ويؤكد ضهير أن خطورة «الفولتامول» تزداد على الذين يعانون أمراض القلب، لكنه أيضاً «يؤثر، على المدى البعيد، في الكلى والمعدة والجهاز الهضمي». والمشكلة الثانية أن هذا العقار مسموح صرفه من دون وصفة طبية، بل يتناولها الناس في غزة بنسبة كبيرة أكثر من الجرعة المسموح بها في الخارج. ووفق أحد الصيادلة، هناك أشخاص يتناولون الديكلوفين 100 ملغم مرتين يومياً، الأمر الذي يمثل بحد ذاته كارثة على الأشخاص الذين يعانون مشكلات في المفاصل أو الحمى الروماتيزمية أو آلاماً مزمنة في الأسنان أو العظام.
كذلك، يلفت ضهير إلى مشكلة ثالثة هي أن المستشفيات والأطباء في غزة يكتفون بكتابة الأسماء التجارية للعقار لا مكوناته الدوائية، و«الأوْلى أن يُخبر الطبيب مريضه عن مكونات العقار حين يصف له دواء مركباً من مادتين خام». وعن وصف رام الله هذه التركيبة كنوع من المخدرات، لا يرى الطبيب الوصف واقعياً، مضيفاً: «بعد مراجعة جدول الوزارة في غزة في ما يتعلق بالمخدرات، لم أجد أن هذه التركيبة تندرج تحت أي نوع من المخدرات».
«المسألة الخلافية هي التخوف من كون التركيبة تحتوي على مضادات للبروستاغلاندين (مسكنة للألم) الأمر الذي قد تكون له محاذير لبعض مرضى الكلى، لكن ما دام التحذير مكتوباً في الورقة الداخلية للدواء (Pamphlet) بوضوح، لا سبب للوقوف في وجه هذا العقار، خصوصاً أنه ليست هناك دراسة ضد هذه التركيبة»، يقول الصيدلي ذو الفقار سويرجو. وبينما توجد منتجات دوائية يدخل في تصنيعها الديكلوفين بأسماء تجارية مختلفة مثل «الروفينال» و«الكتافلام»، يتحدث الصيدلي أحمد عبد القادر عن «إقبال شديد» على شراء «الفولتامول» في القطاع، لأنه «سريع المفعول وسعره مناسب».

أساس الرفض
يعود رفض اعتماد «الفولتامول» في فلسطين إلى ما قبل الانقسام عام 2007 حين كانت غزة هي مركزية السلطة في قطاع الأدوية، وكانت الشركات الدوائية الفلسطينية كافة تُسجل فيها. وبعد الانقسام صارت رام الله هي المركزية، وأصبح لزاماً على شركات غزة التسجيل هناك. و«الشرق الأوسط» بدأت إنتاجها عام 1998، في حين أن «الفولتامول» بدأت إنتاجه عام 2008، أي في «عزّ الانقسام»، لذلك اشترطت رام الله على الشركة أن تعيد الترخيص لديها مرة أخرى، سواء كشركة أو كمصنع أدوية، الأمر الذي لم تقبله «الصحة» في غزة أو أصحاب الشركات في القطاع. ولذلك، صدر قرار رام الله بأن تصنيع هذا العقار وتسويقه «غير قانوني».
ومن ضمن الإجراءات التي تنتهجها رام الله في ما يتعلق باعتماد أي عقار مطالبة الشركات المنتجة بتبيان الأضرار الجانبية لتركيبة للعقار تحت مسمى «النتائج السلبية للمنتج» (Final Degradation Products)، الأمر الذي يعتمد على تجريب المنتج على الحيوانات والبشر. كذلك، على الشركة المصنعة أن توضح هوية الدولة التي تصنع هذا المنتج، كما يقول الناطق باسم الصحة في رام الله أسامة النجار. وثمة تعقيدات رسمية، إذ يجب للمنتج أن يخضع لإجراءات التسجيل والترخيص في رام الله التي تعتمد تسجيل كل عقار على حدة، بدءاً بتسليم ملف هذا العقار لدائرة التصنيع الدوائي لدراسته ثم إعطاء الموافقة أو الرفض.
وبشأن «الشرق الأوسط»، يتساءل النجار: «هل المصنع مطابق للشروط التي يعطى بناء عليها الترخيص أم لا؟»، مستغرباً قرار الوزارة في غزة تصنيع المنتج وتسويقه رغم إرسال رام الله نسخة من «التعميم» إلى الشركة المذكورة. ومن جهة أخرى، تشترط إسرائيل حصول الشركات على ترخيص رام الله للسماح بتوريد المواد الخام إليها. والمصنع المذكور (شركة «الشرق الأوسط») مرخص ولديه إجازة بالتصنيع عامة دون «الفولتامول».
تقول مصادر في الشركة إن تركيب وتصنيع هذا العقار جرى بعد موافقة «الصحة» (غزة)، كما أنه متداول في السوق منذ عشر سنوات، ولم يُلحظ بشأنه أي مضاعفات جانبية. أما الوزارة في القطاع، فرفضت التعليق على الموضوع لأنه «حساس وسياسي». وبالتواصل مع المدير العام للشركة، الموجودة في المنطقة الصناعية في بلدة بيت حانون (شمال)، مروان الأسطل، فإنه شرح أن «الشرق الأوسط» لم تسوق «الفولتامول» إلا بعدما أجرت عليه دراسة لثلاث سنوات، مضيفاً: «التركيبة واضحة ولا صعوبات أو معاجز أمامها سوى كيفية الدمج بين الديكلوفين والبارسيتامول معاً من حيث درجة الحرارة، وهنا سر الخلطة».
ويؤكد الأسطل (وهو ممثل «الصناعات الدوائية في غزة») أنهم كانوا يسجلون أصنافهم ويسوقونها في الضفة حتى 2006، لكن بعد الانقسام طُلب منهم إعادة التسجيل، لذلك الأمر سياسي لا مهني كما يرى. ويتساءل: «لماذا مطلوب منا إعادة التسجيل، ولماذا تُسوق منتجات الضفة وأدويتها في غزة من دون تسجيل؟»، مشيراً إلى رفض السلطة تسجيل ستة أصناف من أدويتهم بما فيها «الفولتامول».
وتنتج «الشرق الأوسط» صنفين من «الفولتامول» خوفاً من تأثير الديكلوفين في مرضى الضغط والقلب، إذ هناك «فولتامول K» الأكثر أماناً الذي يحوي «الديكلوفين بوتاسيوم» بدلاً من «الديكلوفين صوديوم» تفادياً للأعراض الجانبية. يقول مسؤول المبيعات والتسويق في المصنع ومتابع ملف تسجيل الأدوية، الطبيب أمجد الدواهيدي، «منذ سنتين ونصف وأنا أسجل أصنافنا في رام الله... هذا الخلاف سياسي ولا يجب أن يدفع ثمنه القطاع الخاص»، مستدركاً: «نحن ندفع رسوم الترخيص مرتين: مرة في غزة وأخرى في رام الله».
يذكر أنه في 2010 قررت «صحة غزة» وقف تسويق جميع منتجات الضفة الدوائية في القطاع، لكن الشركات في غزة اعترضت، وهو ما يثير لديها تساؤلاً عن غياب التعامل بالمثل في الضفة. يضيف الدواهيدي: «في 2010 بدأت الصحة الفلسطينية تطبيق CTD وهو النظام الذي اعتمد للشركات في الضفة ويقضي باستثناء جميع الأصناف المنتجة سابقاً من التسجيل والترخيص حتى لو ليس لها مستحضر شبيه في دول الجوار، فلماذا لا يطبق هذا النظام على الفولتامول المنتج عام 2008؟».



«إنفلونزا الخنازير» مجدداً في غزة


في موجة ثانية تضرب غزة، كُشف النقاب الخميس الماضي عن وجود 6 حالات وفاة بسبب مرض الإنفلونزا منها «إنفلونزا الخنازير» المعروفة علمياً باسم «H1N1». ولم تعلن وزارة الصحة في غزة العدد بوضوح، لكنها أكدت تسجيل حالات إنفلونزا ناجمة عن أنواع مختلفة من الفيروسات الموسمية.
وقال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف، إن «عدد الحالات المُصابة لا يتعدى 12، توفّي عدد منهم بسبب ضعف المناعة الناتج من أمراض مزمنة بخاصة في القلب أو الجهاز التنفسي أو كبر السن والشيخوخة». واشتكى معروف «خلو مخازن وزارة الصحة في غزة من الأدوية ذات الفعالية الكبيرة في الحد من أعراض الفيروس وتحديداً دواء تاميفلو».
وسبق لـ«إنفلونزا الخنازير» أن ظهرت في فلسطين أواخر 2014، وفي أواخر 2015 أعلنت وزارة الصحة وفاة ستة مواطنين (5 في الضفة وواحد في غزة) جراء المرض.
(الأخبار)