كان واضحاً أن حملة التضليل التي أجراها جيش العدو هي من متطلبات خطة محدَّدة تهدف إلى تحريض سكان القطاع على المقاومة عامة، وفي مواجهة الرد الصاروخي لحركة «الجهاد». كذلك، تراهن تل أبيب على إيجاد شرخ بين فصائل المقاومة، الأمر الذي برز من استهداف عشرات الأهداف التابعة لـ«حماس»، وهو خيار كان مدروساً ويهدف إلى تدفيعها أثمان صواريخ «الجهاد». وتهدف إسرائيل من ذلك إلى دفع «حماس» إلى كبح بقية الفصائل عن ممارسة دورها المقاوم، وإلا فإنها ستبقى تدفع الأثمان على نحو متواصل. هكذا، كان لا بد من تطويق «الجهاد» إعلامياً عبر صبغ صواريخها بأبعاد إيرانية وسورية بوصف ذلك جزءاً من العدة التضليلية.
يأتي موقف المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أيضاً امتداداً لرؤيتها التي تؤكد فيها أن الأولوية هي لمواجهة خطر الجبهة الشمالية، والإيحاء بأن التدحرج نحو مواجهة عسكرية هو بمكانة وقوع في الفخ، كونه سيأتي على حساب مواجهة التهديد الأشد خطورة في سوريا ولبنان. وتكون بذلك بررت أمام الجمهور اليميني وسكان «غلاف غزة» تجنب التصعيد العسكري الواسع ضد القطاع.
لكن، فاجأ رد «الجهاد الإسلامي» الاستخبارات الإسرائيلية التي كانت تستبعد مثل هذه الخطوة في هذه المرحلة، وهو ما أكده المعلق العسكري في صحيفة «هآرتس»، عاموس هرئيل، حتى إن وزير الأمن أفيغدور ليبرمان، الذي هدَّد بعدوان على غزة باستمرار، توقع أن تكون «مسيرات العودة» أهدأ من سابقاتها. خطورة هذا النوع من التقديرات الاستخبارية أن إسرائيل كانت تتوقع استمرار الهدوء في «غلاف غزة» بموازاة استمرار سفك الدم الفلسطيني على السياج، كأنها كانت مطمئنة إلى فعالية قدرة ردعها، لكن الرد الصاروخي بدد هذه الأوهام، وهو ما سيؤدي إلى استحضار إمكانية الرد مع كل تفكير إسرائيلي في استباحة الدم الفلسطيني.
مع ذلك، الصليات الصاروخية للمقاومة الفلسطينية، التي ثبَّتت معادلة الردع الهادف إلى حماية نضال الشعب الفلسطيني، تندرج في سياق أوسع يتصل بمجمل حركة المقاومة ضد الاحتلال وبمواجهة مخططات تصفية القضية، وتحديداً ما يتصل بمساعي التطبيع الذي يهدف أيضاً إلى الالتفاف على الفلسطينيين وتطويقهم وإحباطهم من أجل إخضاعهم.
تهدف إسرائيل إلى دفع «حماس» إلى كبح بقية الفصائل عن ممارسة دورها
ويشير التزامن بين الاندفاع التطبيعي الخليجي مع إسرائيل (فريقان رياضيان في قطر وأبو ظبي برفقة وزيرة الثقافة والرياضة ميري ريغف، وبنيامين نتنياهو على رأس وفد ضم رئيس «الموساد» ورئيس «هيئة الأمن القومي»، وغيرهما، إلى سلطنة عمان)، وبين الصواريخ الفلسطينية، إلى مسارين متعارضين يتحركان في المنطقة. يتجسد المسار الأول بحركة المقاومة ضد الاحتلال، ويتصدرها الشعب الفلسطيني على أرض فلسطين، ومعه قوى المقاومة وداعموها الإقليميون، والثاني بقوى التطبيع وشرعنة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، بهدف تحويله إلى كيان طبيعي في المنطقة، وصولاً إلى تصفية نهائية للقضية. لذلك، يأتي تزامن الرد الصاروخي مع الهجمة التطبيعية تجاه الكيان الإسرائيلي تجسيداً لإرادة قوى المقاومة في مواجهة هذا المخطط.
وقد تناول نتنياهو، بلغة المبتهج، خلال جلسة الحكومة أمس، زيارته لسلطنة عمان، مؤكداً أنه أجرى خلال اللقاء الطويل مع السلطان قابوس محادثات موسعة حول التحديات الماثلة في الشرق الأوسط، «كانت مهمة لإسرائيل ولأمنها»، واعداً في الوقت نفسه بالمزيد من هذه الخطوات المشابهة مع دول عربية، من دون أن يوضح تفاصيل ذلك.
مع هذا، رأى معلق الشؤون العربية في القناة الـ 12، عوديد غرانوت، أن حل الصراع الإسرائيلي ــــ الفلسطيني لن يخرج من عمان، كما لم يستبعد أن يكون نتنياهو قد أوصل رسالة عبر السلطان قابوس إلى إيران حول ما سيحدث في سوريا، وإلى أي حد إسرائيل مستعدة للذهاب من أجل منع التمركز الإيراني هناك.
يشار إلى أن رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، استقبل في مقر الرئاسة في رام الله أمس، مبعوث عُمان، المستشار سالم بن حبيب العميري، بعد يومين من زيارة نتنياهو لمسقط، وهو ما قد يشير الى دور تحاول أن تقوم به مسقط على هذا المسار.