في ظل توقف الوساطة المصرية للتهدئة بين الاحتلال الإسرائيلي والمقاومة الفلسطينية، وعدم نجاح المصالحة الفلسطينية بين حركتي «فتح» و«حماس»، واستمرار الحصار الاقتصادي المفروض على غزة، صعّد الفلسطينيون من حدّة المواجهات مع جنود الاحتلال على الحدود الشرقية لقطاع غزة. أشكال المواجهة مع الاحتلال تغيّرت، ولم تعد محصورة بإطلاق بالونات حارقة، وإشعال الإطارات، إذ أصبح الشبان يقتحمون الحدود ويهاجمون الجنود في القواعد والدشم العسكرية التي يتمركزون فيها. وبحسب موقع «حدشوت 24» العبري، «أصيب جندي إسرائيلي بجروح طفيفة جراء إلقاء قنبلة يدوية (كوع) نحوه على الحدود شرق غزة»، فردت طائرات الاستطلاع التابعة للاحتلال بقصف مرصد للمقاومة شرقي غزة.
وفي وقت لاحق، أعلن المتحدث باسم وزارة الصحة الفلسطينية أشرف القدرة استشهاد الشاب كريم محمد كلاب (25 عاماً)، الذي أصيب برصاص الاحتلال الإسرائيلي شرق غزة، وإصابة «٣١٢ شخصاً، ٤ منهم في حالة خطرة، ضمن فعاليات مسيرة العودة». من جهته، قال المراسل العسكري لموقع «واللا» العبري، أمير بحبوط، إن «عدد المتظاهرين على الحدود اقترب من 15 ألفاً أكثر أو أقل قليلاً. ووفقاً لضباط كبار فى القيادة الجنوبية، فإن العنف ازداد بشكل كبير عن الأسبوع الماضي». أضاف: «كما نرى في هذه اللحظة أن حماس لا تسعى إلى التهدئة».
وفي السياق، قال جيش الاحتلال، في بيان: «منذ ساعات بعد الظهر تجمّع ما يقرب من 10 الآف متظاهر على طول السياج الأمني. ألقوا العبوات والقنابل وأشعلوا الإطارات وألقوا الحجارة تجاه جنود الجيش». أضاف البيان: «نُفذ عدد من محاولات اختراق السياج، وردّت قواتنا بوسائل تفريق التظاهرات وحسب لوائح إطلاق النار. كذلك أصيب أحد الجنود بجروح طفيفة جراء شظية، وتم نقله لتلقّي العلاج. ورداً على الأحداث، نفذت طائرات الاستطلاع عدة هجمات في شمال القطاع».

«الوضع في الضفة قابل للانفجار»
بدوره، حذّر رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي آيزنكوت المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر للشؤون الأمنية والسياسية، «الكابينيت»، أمس، من «تصاعد احتمالات اندلاع أعمال عنف في الضفة الغربية» المحتلة، نتيجة الإجراءات الأميركية والقرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية، وفقاً لما أوردته «شركة الأخبار» الإسرائيلية (القناة الثانية سابقاً).
وقال آيزنكوت، في عرضه لتقييم جيش الاحتلال للأوضاع في الضفة الغربية المحتلة، خلال جلسة لـ«الكابينيت»، إن «احتمالات تفجر الوضع في الضفة تتراوح بين 60 إلى 80%»، معتبراً أنه «إذا اندلعت أعمال عنف فستكون أكثر شدة من تلك التي في غزة، في ظل الحاجة إلى نشر قوات كبيرة في الضفة، وفي ظل اختلاف طبيعة الاحتكاك مع المواطنين الفلسطينيين فيها».
وجاءت تقديرات الجيش الإسرائيلي، التي عبّر عنها آيزنكوت، «في ظل الظروف الإشكالية الحالية، خاصة الصدام بين الرئيس الأميركي دونالد ترامب والقيادة الفلسطينية، والإجراءات الدبلوماسية والمالية والسياسية التي اتخذتها الإدارة الأميركية أخيراً».
وفي حديث إلى القناة العبرية، أشار مصدر إسرائيلي إلى «الظروف الإشكالية التي دفعت آيزنكوت إلى هذا التقييم المتشائم، وفي مقدمتها المواجهة بين الرئيس الفلسطيني وإدارة الرئيس الأميركي دونالد) ترامب، بما في ذلك الإجراءات الدبلوماسية التي اتخذها البيت الأبيض ضد السلطة الفلسطينية، إلى جانب علاقاته الهشّة مع الدول العربية والضغوط التي يتعرّض لها للتوصل إلى مصالحة مع حماس، في ظل تراجع حالته الصحية وشعوره بأنه يقدم مساعدات للأجهزة الأمنية الإسرائيلية عبر التنسيق»، مضيفاً أن «إسرائيل تعتبر ذلك ليس كافياً».
وحذر رئيس أركان الاحتلال من أن الأسبوع المقبل قد يشهد توتراً شديداً في الضفة بالتزامن مع إلقاء رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس خطاباً في مقر الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، ويُتوقع أن يكون الخطاب هجومياً باتجاه واشنطن وتل أبيب، الأمر الذي ينعكس على الأرض بتفجر مواجهات في الضفة، معتبراً أن الخطاب قد يحرّض «الإرهاب الفردي».
وكرر آيزنكوت اقتراحات الأجهزة الأمنية الإسرائيلية على الوزراء في «الكابينيت»، بما في ذلك «تحسينات اقتصادية في الضفة الغربية، والعمل على إدارة الضغوط التي تمارسها الولايات المتحدة على الفلسطينيين بصورة سليمة»، معتبراً أن الأميركيين «لا يفهمون بالكامل تداعيات كل إجراءاتهم على الأرض».
وشدد آيزنكوت على ضرورة التركيز على ما وصفه بـ«الجبهة الشمالية» أيضاً، مشيراً إلى إمكانية أن «تجد إسرائيل نفسها في مواجهة في جبهات ثلاث، هي سوريا ولبنان وفي الضفة وكذلك في غزة».
وأوضح المصدر أن الوزراء أعضاء «الكابينيت» لم «يتأثروا» بتصريحاته التي اعتبروها غير جديدة، فيما نقلت القناة عن مسؤول كبير في الحكومة أن الشعور العام لدى أعضاء «الكابينيت» هو أن رئيس الأركان «قال كلمات بروتوكولية».

«تسريب الاجتماع خط أحمر!»
وبعدما سُرّبت تفاصيل جلسة «الكابينت»، دعا وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أجهزة الأمن إلى التدخل لمنع التسريبات الصادرة عن اجتماعات الحكومة، بعد الكشف عن تفاصيل ايجاز عسكري سرّي يحضّ على زيادة المساعدات في الضفة الغربية لمنع اندلاع أعمال عنف جديدة.
وأكد ليبرمان أن ما جرى تجاوز الخطوط الحمر، عبر تسريب تفاصيل الإيجاز الذي قدّمه رئيس أركان الجيش الجنرال غادي آيزنكوت. ودعا ليبرمان، عبر موقع «تويتر»، رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى اتخاذ إجراءات عبر جهاز الأمن الداخلي (الشين بيت) لضمان عدم حدوث تسريبات كهذه مجدداً.