عمان | تنفّس الصعداء مئات الآلاف من الطلبة الفلسطينيين المُسجّلين على قيد «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين» (الأونروا)، في مناطق عملها الخمس، عقب طمأنة الأخيرة إلى أن العام الدراسي المقبل سوف يبدأ في موعده المعتاد، وذلك بعدما حبس الأهالي أنفاسهم لأشهر إثر حديث عن تأجيل العام أو حتى إلغائه في أكثر من 711 مدرسة تابعة لها، في ظل تقليص كبير طاول خدمات أساسية وطارئة أخرى في مناطق عمل «الأونروا» كافة. القرار جاء بعد جلسة استثنائية للجنة الاستشارية لـ«الأونروا» في العاصمة عمان حضرها المفوض العام للوكالة، بيير كرينبول. وعلمت «الأخبار» أن هذا «الإعلان التطميني» جاء مترافقاً مع استلام موظفي «الأونروا» في المملكة مستحقات آب الجاري قبل موعدها، أي قبيل انتهاء الشهر بأكثر من عشرة أيام، على رغم أن الخطاب العام للوكالة يتحدث عن أزمة مالية خانقة وعجز كبير.وفي الأردن، يمثّل القطاع التعليمي التابع لـ«وكالة الغوث» أهم القطاعات في المملكة، إذ إن هناك أكثر من 120 ألف طالب يتوزعون على 171 مدرسة. وكان تقليص الخدمات في هذا القطاع بداية عبر دمج المدارس الصغيرة في أخرى أكبر، الأمر الذي أدى إلى الاستغناء عن الوظائف الزائدة بالتدريج. بالتوازي مع ذلك، اتخذ قرار برفع عدد الطلاب في الصفّ الواحد إلى حدود 45 - 52 طالباً، أي أكثر بـ10 طلاب عمّا كان سابقاً. كذلك، زيد نصاب الحصص على المدرسين وتأخرت الرواتب خلال الشهور الماضية وسط سؤال مستمر عن إمكانية توفيرها، وهو ما دفع الكادر التعليمي إلى البحث عن فرص خارج «الأونروا»، الأمر الذي التقطته الأخيرة لتفتح باباً للتفريغ الناعم للمعلمين (وكذلك بقية القطاعات) عبر التقاعد الطوعي المبكر. وثمة تأكيد لإتاحة الفرصة لدفعة جديدة للتقاعد في منتصف أيلول المقبل.
جراء هذا الوضع، يتجه أهالٍ كثيرون إلى نقل أبنائهم إلى المدارس الأردنية (الحكومية). أما نقص الكوادر في الوكالة، فيجري التعامل معه إما بالتنقلات، أو بتفعيل العمل بالنموذج «C» الذي يعني استقدام موظف بديل لمدة عام فقط وهو غير مشمول بحقوق الموظفين النظاميين مثل التأمين وصندوق الادخار، وحتى هذا الخيار بات في حكم التقليص.
أما قطاع الصحة، فلا يبدو أفضل حالاً مع الخدمات المقدمة في المملكة عبر 25 مركزاً صحياً تعاني نقصاً في الكوادر والأدوية وتقليص عدد المراجعين والحد من التحويلات إلى المستشفيات، بخاصة في حالات الولادة.

واقع اللاجئين في المملكة
زادت في السنتين الأخيرتين وتيرة الأزمة المالية لـ«وكالة الغوث» إلى حد أن الأخبار المتعلقة بها لا تخرج عن نطاق تقليص الخدمات المقدمة إلى اللاجئين والنازحين في كل من الأردن، والضفة المحتلة بما فيها شرق القدس، وقطاع غزة، وسوريا، ولبنان. ومع وجود النسبة الكبرى من اللاجئين في الأردن، المقدرة بنحو 41% من كامل الأعداد المسجلة على قوائم «الأونروا»، فإن القلق في المملكة لا يتناسب مع هذه الأرقام كما هي الحال في غزة مثلاً، المتضرر الأول من الأزمة «المفتعلة» في رأي كثيرين.
تقول النكتة المتداولة إن الفلسطينيين في الأردن «ناموا فلسطينيين واستيقظوا أردنيين»، وذلك بعد قرار وحدة الضفتين في نيسان 1950، ولم يُستثنَ من هذا القرار لاجئو المخيمات الثلاثة عشر (ثلاثة منها مخيمات غير رسمية)، إلّا أبناء غزة الذين تقدر «الأونروا» عددهم في المملكة بـ140 ألف لاجئ، يعيشون أحوالاً هي الأقسى على الإطلاق. هذا التوسع الديموغرافي فرض معادلة جديدة أتاحت للاجئين والنازحين الخروج من قوقعة المخيم وتلقي خدمات من الدولة الأردنية كمواطنين عاديين. ويأتي ذلك أيضاً انعكاساً لخروج آلاف سكان المخيمات للعيش في المدن، ومنهم من لم يعد أصلاً يستفيد من خدمات «وكالة الغوث» مباشرة، مع أن أي معاملة حكومية متعلقة بالأوراق الثبوتية مثلاً تتطلب الإفصاح عن وثيقة اللجوء.
استلم موظفو الوكالة في الأردن مستحقات آب قبل موعدها


تعاملت الدولة الأردنية بدورها مع موضوع اللاجئين عبر «دائرة الشؤون الفلسطينية»، وهي امتداد للمؤسسات الرسمية التي أنشأتها الحكومة لرعاية اللاجئين والنازحين، ومرجعيتها وزارة الخارجية التي تشرف على شؤون المخيمات وأيضاً أنشطة وبرامج «الأونروا». تحت هذا الإطار، أجرى وزير الخارجية أيمن الصفدي جولات دبلوماسية منذ بداية العام الحالي ذات صلة بملف الوكالة، وكان من الشخصيات الأساسية في مؤتمرات المانحين التي أقيمت لتلافي الأزمة.
وهنا من المهم التذكير بأن سهولة الساحة الأردنية في تصفية أساسات القضية الفلسطينية، وعلى رأسها حق العودة واللاجئين، تنبع من قوة معاهدة «وادي عربة» التي لا تذكر في بنودها حق العودة، بل تشجع أي حل للاجئين منبثق من هيئات تابعة للأمم المتحدة، كما في سيناريو «المفوضية السامية لشؤون اللاجئين» (UNHCR)، وهذا يعتمد على حملهم أرقاماً وطنية أردنية (جنسيات). لذلك، على مدار عقود سبقت «وادي عربة» وتلتها، تراجعت الروحية التي يجري التعامل مع «الأونروا» على أساسها، فهي لم تعد بالنسبة إلى عمّان أكثر من منظمة حقوقية تقزمت مشكلاتها حتى باتت متعلقة بالعاملين فيها فقط، وليست بجموع المتضررين من اللجوء والنزوح ممن يستفيدون من خدماتها..

أزمة سياسية لا وظيفية
أما المطالبات برفع رواتب العاملين في «الأونروا» بما يتناسب مع التضخم الاقتصادي في الدولة المضيفة، فبقيت من دون تفعيل، بل عرضت الإدارة زيادة مقطوعة اضطر العاملون إلى قبولها. لذلك، يمكن قراءة الأزمات في «الأونروا» من حقيقة أنها «بالونات» اختبار لردود الفعل التي غالباً تتسم بالبحث عن حلول على حساب اللاجئ مع إعفاء المجتمع الدولي من مسؤولياته، ومع الرضوخ للإرادة الأميركية التي يمكن تجاوز ما كانت تقدمه على أساس أنه مبلغ تستطيع الدول المانحة جمعه، مع الإقرار بوجود ظروف دولية تشدد الخناق على «الأونروا» وتسعى إلى إنهائها.
على ما يبدو أن «الأونروا» فقدت ذاكرتها، وأن إدارتها تتصرف من باب الموظف الدولي الذي يسعى إلى الحفاظ على مكان عمله حتى لو عزل عمل الوكالة عن واقع اللجوء وقدم على صورة خلافات مع عاملين بمعزل عن كونهم لاجئين، وذلك بفصل خدماتها عن السياسة كأنها لم تؤسس نتيجة ظرف سياسي في الأساس، وهذه ليست ادعاءات بل أتت مذكورة بوضوح في رسالة كرينبول إلى الموظفين بعد إعلان بدء العام الدراسي، عندما قال: «لا بد لي من الإصرار أنه لا يمكن تكرار الوضع بفقدان السيطرة على مكاتبنا والتصريحات غير المسؤولة من جانب قادة اتحاد الموظفين كما كانت الحال في غزة. وكما تبين في جميع الأقاليم الأخرى، فقد وجدنا الحلول واتخذنا خطوات إلى الأمام عبر حوار حقيقي بين الاتحادات والإدارة. لقد اختارت قيادة الاتحاد في غزة السياسات غير الصائبة في الإقصاء والتسييس».