لم يعد لقاء بنيامين تنياهو – محمد بن سلمان في الأردن، كما نقلت صحيفة «معاريف»، حدثاً مفاجئاً، بل لم يعد عدم لقائهما في الأردن أو غيره، كما نقلت وسائل إعلامية أردنية عن مصدر رسمي لم تذكر اسمه، يغيّر شيئاً من التقديرات حول المسار الذي يسلكه التكامل السعودي الإسرائيلي في مواجهة محور المقاومة. نعم يمكن القول إن لقاءً كهذا ــ أو غيره ــ يشير إلى الأشواط النهائية التي قد تكون بلغهتا بلورة مخطط تصفية القضية الفلسطينية، في الطريق لإعلان تحالف استراتيجي علني بين الطرفين على قاعدة مواجهة التهديد الذي تشكّله الجمهورية الإسلامية في إيران وحلفائها على الأمن القومي الإسرائيلي وعلى الهيمنة الأميركية في المنطقة.المواقف والخطوات التي بادر إليها، حتى الآن، النظام السعودي مباشرة، وبالوكالة، أبلغ تعبيراً في الكشف عن الدور الذي يؤديه على المستوى الإقليمي، وعن أهمية الموقع الذي يحتله في خريطة الأدوات التي باتت تؤدي دوراً وظيفياً مباشراً في حماية الأمن القومي الإسرائيلي. بل ارتقى الخطاب السياسي والإعلامي الذي يدور في هذا الفلك إلى حدّ التأصيل لهذا الخيار وتبريره ومحاولة شرعنته والترويج له شعبياً وسياسياً.
أيّاً كان الشوط الذي بلغه المسار السعودي ــ الإسرائيلي الذي يشكّل الضفة الأخرى من مخطط «صفقة القرن»، فإن نقطة ارتكازه تكمن في القضية الفلسطينية. ويعود ذلك إلى أن شرعنة هذا المخطط تكمن في نجاح تصفية القضية الفلسطينية، وهذه التصفية لا تملك قابلية النجاح إلا عبر إخضاع الشعب الفلسطيني أو انتزاع موافقته التي بدت أكثر من أي وقت مضى أنها أبعد ما تكون عن متناول أيدي الثلاثي في الرياض وتل أبيب وواشنطن.
تبنّى كوشنر الدعاية الإسرائيلية إزاء الوضع في قطاع غزة


ويبدو من خلال الحراك الأميركي المكثف والمواقف التي أدلى بها صهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأحد كبار مستشاريه، جاريد كوشنر، لصحيفة القدس الفلسطينية، وشكّك خلالها بـ«قدرة ورغبة» الرئيس محمود عباس على اتمام الصفقة، أن الإعداد لهذا المخطط بلغ مراحل متقدمة جداً. ويعني أيضاً أن القيادة الفلسطينية ما زالت متمسكة برفض الخضوع للإملاءات الأميركية الإسرائيلية المتجددة. وهو ما يظهر من خلال لجوء كوشنر إلى تهديد الرئيس الفلسطيني إن لم يتراجع عن مواقفه الرافضة والمعلنة «بنشر الخطة (صفقة القرن) علانية»، متجاوزاً القيادة الفلسطينية. وذهب إلى حدّ التحريض، متوجهاً إلى الشعب الفلسطيني بالقول: «لا تدعوا قيادتكم ترفض خطة لم ترها بعد».
وتجاهل كوشنر كل التنازلات التي قدمتها القيادة الفلسطينية منذ اتفاق «أوسلو»، التي كان يفترض أن تحصل في مقابلها على دولة فلسطينية على أساس حدود 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. ودعا إلى التلاقي في نقطة ما بين مواقفهما المعلنة، التي تعني إسرائيلياً وأميركياً إضفاء شرعية فلسطينية على الاحتلال للقدس الشرقية وعلى الانتشار الاستيطاني في الضفة الغربية. ويأتي هذا السقف الجديد بعدما انتزعت إسرائيل في «أوسلو» شرعنة فلسطينية (أنصار التسوية) لاحتلالها أراضي عام 1948.
وحسم كوشنر التقديرات التي رجحت أن تكون الخطوات الأميركية الأخيرة تمهيداً لإعلان الصفقة، بالقول إن الصياغة النهائية لصفقة القرن ستكون معدة قريباً: «نحن على وشك الانتهاء». ومع أنه رفض الخوض في تفاصيلها، إلا أنه لمّح إلى بعض الملامح «لقد واصلنا عملنا بشأن الخطة وبناء توافق في الآراء، حول ما يمكن واقعياً تحقيقه اليوم وما الذي سيستمر في المستقبل؛ إذا كان الرئيس عباس مستعداً للعودة إلى الطاولة، فنحن مستعدون للمشاركة في النقاش».
وبطبيعة الحال، تبنّى كوشنر الدعاية الإسرائيلية إزاء الوضع في قطاع غزة، بالقول إن «أهل غزة رهائن لقيادة سيئة»، وتابع قائلاً إن «الطريق الوحيد لشعب غزة هو تشجيع القيادة على السعي إلى وقف إطلاق نار حقيقي يمنح إسرائيل ومصر الثقة لبدء السماح لمزيد من التجارة والسلع بالتدفق إلى غزة».
في سياق متصل، كشفت تقارير إسرائيلية عن أن رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو اتفق مع وزير الاستخبارات والمواصلات يسرائيل كاتس، على تسريع مبادرة «قطار السلام» الذي سيربط بين القارات ويعتمد بمساره على سكة الحجاز. وبموجبه سيجري توسيع وانتعاش التجارة بين دول الخليج وموانئ البحر المتوسط، وإن انتعاش التجارة بين هذه الدول وبين إسرائيل له دلالات واسعة تشكل رافعة اقتصادية لتعزيز التجارة القائمة، ورافعة لتحقيق السلام الاقتصادي في الشرق الأوسط.
وتندرج هذه المبادرة ضمن خطة تهدف إلى ربط دول في المنطقة مع إسرائيل ضد «التهديد الإيراني»، وهو ما أوضحه كاتس بقوله إن «حركة سكك الحديد من أجل السلام الإقليمي ستعزز اقتصاد دولة إسرائيل ووضع إسرائيل في المنطقة أولاً، وستعزز محور إسرائيل الإقليمي مع الدول السنية المعتدلة في مواجهة إيران في هذه المنطقة اقتصادياً».
ويستند المشروع أيضاً إلى الأردن كمركز إقليمي للنقل البري الذي سيُربَط بنظام سكك حديد إقليمي إلى إسرائيل والبحر الأبيض المتوسط وأوروبا في الغرب، كذلك سيُربَط الأردن بالسعودية ودول الخليج والعراق».