لم تجد إسرائيل في مواجهة «إرهاب» الطائرات الورقية وحرائقها، إلا التحريض ومحاولة إيجاد شروخ بين الفلسطينيين ومقاومتهم، ومزيداً من الحصار على قطاع غزة. سلاح المحاصرين، الذي تحوّل إلى سلاح فاعل ومؤثر في مرحلة تخلى العالم العربي عن القضية الفلسطينية، بات يقلق المستوطنين وقيادتهم الأمنية والسياسية، إلى الحد الذي يقفون معه حائرين في مواجهة هذا السلاح ومفاعيله وتأثيراته.الطائرات الورقية وإشعالها الحرائق في أراضي المستوطنات القريبة من السياج الحدودي مع القطاع، تعد سلاحاً بدائياً، لكن لا يمكن الإغفال أنه مبتكر جداً ويتناسب مع ظروف المرحلة وضرورات العمل على إيجاد ما يقلق الاحتلال ودفعه للتسويات، وبالأخص إذا ما تضافر «الجهد الورقي»، بعد التأكد من تأثيره، مع مواصلة الجهود الفلسطينية المفعلة في هذه المرحلة، للدفع باتجاه «تسوية ما» تخفف الحصار عن القطاع، الأمر الذي بدأت تعبيراته تظهر في الجانب الإسرائيلي، وإن كانت محل خلاف حتى الآن، بين القيادة العسكرية التي تطلب التخفيف عن غزة، والقيادة السياسية التي تعاند إلى الآن، كي لا تظهر بصورة المستسلم أمام الفلسطينيين.
بحسب التعليقات الإسرائيلية، وجد الفلسطينيون، إضافة إلى التظاهر والاحتجاجات على الحدود، وسيلة بسيطة لكن فعالة لإحداث ضرر، إضافة إلى الضغط النفسي على المستوطنين ومن خلالهم على القيادة الإسرائيلية، العسكرية والسياسية. الأضرار الكبيرة نتيجة الحرائق التي بلغت المئات، يعزز من فاعليتها مشهد الحرائق التي لا تتوقف، وهو مشهد يرافق المستوطنين منذ أكثر من شهر، وبحسب تعبير صحيفة «هآرتس» يثير الخوف والكآبة لديهم، ويعرض الحكومة للضغوط للوقوف بلا فاعلية في مواجهة هذا التهديد الجديد.
للطائرات الورقية، كسلاح، أثران تجهد إسرائيل لتجاوزهما بلا طائل: الأول يتعلق بفلسطينيي قطاع غزة، بعد تأثير وفاعلية هذا السلاح وعجز إسرائيل في مقابله. الأمر الذي يدفع الفلسطينيين أكثر للتمسك بهذا السلاح وتطويره والمثابرة عليه. في مقابل هذا الأثر، يتعذر على إسرائيل «كسر الأدوات» والرد عسكرياً بما لا يتناسب مع هذا السلاح، ليس لأنها تردع لأسباب إنسانية، بل لأن الرد غير المتناسب يدفع الفسطينيين إلى الرد المقابل ومن ثم إلى التدحرج لمواجهة تمتنع إسرائيل عن التسبب بها لخشيتها من تداعياتها، خصوصاً أن الفصائل أثبتت في الأسابيع الماضية إرادة الرد على الاعتداءات الإسرائيلية.
أعلن جيش الاحتلال أنه سيتم تقييد حركة إدخال غاز الهيليوم إلى غزة


الأثر الثاني لسلاح الطائرات الورقية، أنه ملهم للفلسطينيين، وليس بما يرتبط بالفصائل، التي وجدت فيه سلاحاً مؤثراً ودفعت باتجاه تفعيله أكثر، بل باتجاه عامة الغزيين أنفسهم، الذين يعرفهم الاحتلال بالفلسطينيين المستقلين، ما يشير إلى أن هذا السلاح سيصل إلى حده الأقصى تفعيلاً وتأثيراً، في موازاة امتناع إسرائيلي، للتعذر، عن التسبب بمواجهة في هذه المرحلة. وعلى هذه الخلفية، يأتي التوصيف الإسرائيلي لهذا السلاح: «طائرات ورقية خفيفة، مع تداعيات ثقيلة».
وعبّر وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، أمس عن «العجز» أمام السلاح الفلسطيني الجديد، وإن كان موقفه ليس جديداً، وصدر عن المسؤولين الإسرائيليين في الأيام الماضية تأكيدات مشابهة، إلا أن ليبرمان ركز في كلامه على التحريض ومحاولة إيجاد شرخ ما بين فصائل المقاومة وبيئتها، مع اضطراره، نتيجة فاعلية هذا السلاح، لإطلاق مواقف وتصريحات من المشكوك أن تجد صداها لدى المستوطنين، وكذلك لدى الفلسطينيين.
وقال ليبرمان في لهجة تبريرية حول «ظاهرة إرهاب الطائرات الورقية»، إضافة إلى توسع هذه الظاهرة في الأيام الأخيرة، إن «ثلثي هذه الطائرات ننجح في اعتراضها بالبالونات، على رغم الحجم الكبير في استخدام هذه الوسيلة. نحن نعلم مع من حسابنا. اعتقد أنهم يشدون الحبل أكثر من اللازم، وفي نهاية الأمر هذا الحبل سينقطع»، في تهديد من المشكوك تفعيله في هذه المرحلة.
المستوى التحريضي في كلام ليبرمان، تأكيده أن «حركة حماس تستغل الجهاز الطبي في قطاع غزة في شكل سيء، وبدل أن يذهب غاز الهيليوم في المستشفيات، للتجهيزات الطبية، يستخدمونه لإطلاق الطائرات وإحراق الحقول في الجنوب».
وفي السياق نفسه، وفي محاولة للتأثير والحد من الظاهرة، أعلن جيش الاحتلال أنه سيتم تقييد حركة إدخال غاز الهيليوم إلى قطاع غزة، وبحسب بيان صادر عنه: «في حال استمر استغلال غاز الهيليوم من قبل جهات إرهابية في القطاع، فسيتم منع إدخاله، ومسؤولية ذلك تقع على حكم حماس».
تعبيرات ليبرمان عن «الضيق» جاءت في اختتام جولته أمس على مستوطنات غلاف غزة، إذ قال في «رسالة إلى الغزيين» دعاهم فيها إلى إسقاط «حكم حماس»، وعملياً إلى الابتعاد عن تطلعاتهم وتحررهم من الاحتلال والاكتفاء بالرشى الاقتصادية بعد التخلي عن قضيتهم ومقاومتهم: «تحولتم عملياً إلى رهائن لدى حماس. يمكنكم بناء مستقبل أفضل لمصلحة أولادكم، يمكنكم الحصول على المساعدة الإنسانية والاقتصادية والمدنية، لكن عليكم أن تتخلصوا من حماس».