سلفيت | رغم أن ما تسمى القوانين والمواثيق الدولية «لا تجيز المس بحرية العبادة» تحت أي حجة كانت، فإن الصلاة في المسجد الأقصى، في القدس المحتلة، باتت أمنية عند آلاف الفلسطينيين، وذلك بسبب سيطرة العدو الإسرائيلي على المدينة وتشديداته التي لا تتوقف، بل تزداد سنوياً. وإن خفّف الاحتلال الخناق أحياناً، فالأمر لا يعدو كونه وسيلةً لتحقيق أهدافٍ أمنية أو سياسية وكذلك إعلامية تخدمه.وفي الحالة الفلسطينية، يتعامل العدو مع تصاريح الصلاة في الأقصى تماماً مثلما يتعامل مع تصاريح العمّال الفلسطينيين، فأصحاب «السوابق الأمنية» لديه لا يحظون بالموافقة لدخول الأراضي المحتلة عام 48، وحتى المستوطنات في الضفة، ثم ينسحب المنع ليشمل ذويهم وأقاربهم. والأكثر سوءاً رفض الاحتلال إدراج فئة «الشباب غير المتزوجين» في بند من يحق لهم تقديم تصاريح الصلاة أو زيارة الأقصى، وهذا يعني حرمان أكبر فئة من دخول المسجد في رمضان، إذ تشير الإحصاءات الصادرة عن «دائرة الأوقاف والشؤون الإسلامية» في القدس الى أن نحو 120 ألف مصلٍّ فقط أدّوا الصلاة في الجمعة الأولى من رمضان، فيما تضاعف العدد إلى نحو ربع مليون في الجمعة الثالثة، علماً بأن عدد سكان الضفة والقدس يقترب من حدود 3 ملايين أو يتجاوزها.
جراء ذلك، ينشط الشبان للدخول «خاوة» إلى المسجد، وهو مصطلحٌ باللهجة المحكية يعني «رغماً عنكم»، ويستعمله من يتمكن من الدخول ثم الصلاة في الأقصى، وهو ما صار تحدياً ومغامرة يشترك فيها آلاف الشبّان من الضفة وضواحي القدس في مثل هذه الأيام كل عام. ورغم غياب إحصائية رسمية وحتى غير رسمية لعدد المصلّين الذين يدخلون «تهريباً»، فإن تقديراتٍ تشير إلى أن العدد كبير ويزداد أيام الجمعة. وتتنوع أساليب «التهريب» عبر القفز عن جدار الفصل العنصري الذي يفوق ارتفاعه أربعة أمتار، باستعمال حبلٍ طويلٍ، أو باستعمال سلم خشبي طويل يمتد من أعلى الجدار إلى أسفله، فضلاً عن طرق أخرى.
تحدث معظم الاعتقالات بحق الشبان خلال خروجهم من المسجد


«الشباب لم يُعدَموا الوسيلة لدخول الأقصى كل رمضان، رغم تشديدات العدو وحواجزه المنتشرة في الضفة، مروراً بحاجز قلنديا ووصولاً إلى حواجز العدو داخل القدس»، يقول أحد الناشطين، لكنه يلفت إلى أن العدو شنّ فجأة حملة اعتقالاتٍ غير مسبوقة في صفوف الشبّان الذين دخلوا بلا تصاريح أثناء وجودهم داخل المسجد، علماً بأن الغالبية من المعتقلين وقعوا في أيدي جنود العدو خلال مغادرتهم بعد الصلاة.
وحصلت «الأخبار» على إحصائية تؤكد أن 23 شاباً على الأقل اعتقلتهم قوات الاحتلال من الأقصى خلال الأسبوعين الثاني والثالث من رمضان. أما أكبر حملة اعتقالاتٍ، فتم تسجيلها في 20 رمضان (قبل يومين) حينما اعتقل 15 شاباً، اثنان منهم من القدس، والبقية من الضفة. وتوضح المصادر أن معظم المعتقلين يفرج عنهم بعد ساعاتٍ، لكن حوكم أحدهم من الضفة بالسجن لمدة شهرٍ وغرامةٍ مالية. أما المقدسيون، فيفرج عنهم بشرط الإبعاد عن الأقصى لمدة شهور يحددها العدو.
ووجود حالات «التهريب» الكثيرة يؤكد أن العدو لا يقدم «التسهيلات في رمضان» إلا عبر الإعلام، وخاصة على لسان المتحدثين باسمه باللغة العربية، لأهداف منها تحسين الصورة الذهنية لدى أكبر عددٍ ممكن من الفلسطينيين، إضافةً إلى محاولة العدو ربط هذه التسهيلات بمدى الهدوء الأمني كهدفٍ ظاهر. أما الهدف الخفي، فهو تخفيف الاحتقان في الشارع الفلسطيني، لكن من دون أن يقدم تسهيلات عملية.
«العام هو الأسوأ على الأقصى رغم هدوء العمليات الفدائية في فلسطين عموماً والقدس خصوصاً»، هكذا يلخّص أحد الشبان الذين دخلوا إلى المسجد أخيراً الوضع، مضيفاً: «سيطرة العدو باتت تخنق أكثر، فيما تراجع دور الأوقاف الإسلامية لتصبح صلاحياتها عدّ المصلّين، وتقديم الخدمات وفق الإمكانات المتاحة، لكنها عملياً فقدت السيطرة على الأقصى». ويقول ناشطٌ آخر استطاع الدخول إلى الأقصى بصورة «غير رسمية»، أي بلا «تصريح» مؤقت وخاص من العدو، إنه «يمكن للأوقاف أن تتمتع بدورٍ أكبر إذا ما قررت ذلك، إذ سيلتفّ المقدسيون والفلسطينيون من حولها، لكنّ هناك انحساراً في صلاحياتها كثيراً هذا العام».
لكن هذا الهدوء كسره المستوطنون يوم أمس الخميس إذ اقتحم 44 منهم المسجد الأقصى لأول مرة في العشر الأواخر من شهر رمضان، ودارت مواجهاتٌ بين شبّان وقوات شرطة العدو، على إثرها نقلت مصادر عبرية أن الاحتلال قرّر إعادة الوضع كما كان عليه، وحظر دخول المستوطنين للأقصى خلال الأيام القادمة.
والجديد في رمضان الجاري يتمثل في ما لاحظه المصلّون من تشديداتٍ إسرائيلية مقارنةً بالأعوام الماضية، إذ إن الحواجز صارت داخل البلدة القديمة، وتعداد شرطة العدو بات أكثر». والأسوأ أن العدو يحاول ترسيخ قاعدة «الهدوء مقابل السماح بالصلاة»، وهذا ما أدى في هذه السنة إلى تجوال شرطة الاحتلال و«حرس الحدود» في الباحات وقرب المصلى القبلي من دون أي مناوشات تُذكر على عكس السنتين الأخيرتين. حتى إن التشديدات شملت فرق «المسحراتية» بصورة كبيرة، إذ اعتقل كثيرون منهم تحت حجج «الإزعاج»، وأجبروا جميعاً على توقيع تعهداتٍ. وإذا أُفرَج عن أحدهم وعاد لإيقاظ سكان القدس على السحور، يعتقل مجدداً في اليوم التالي.



«يوم القدس» على حدود غزة
دعت «الهيئة الوطنية العليا لمسيرات العودة وكسر الحصار» إلى «المشاركة الجماهيرية الواسعة في «مليونية القدس» اليوم الجمعة، على حدود قطاع غزة، وذلك تزامناً مع «يوم القدس العالمي» و«ذكرى احتلال القدس»، على أن تبدأ الفعاليات بعد صلاة الجمعة مباشرة، كما وُجّهت دعوات إلى الاحتشاد في المسجد الأقصى، في القدس المحتلة، والاعتكاف فيه.
في المقابل، أعلن جيش الاحتلال أنه سينشر قوات كبيرة على الحدود خشية من مواجهات عنيفة ومحاولات اقتحام للسياج، وذلك في وقت نقلت فيه صحيفة «هآرتس» العبرية أن فرق الإطفاء الإسرائيلية عملت على إخماد أكثر من 15 حريقاً أمس في مناطق مختلفة في «غلاف غزة» بفعل طائرات ورقية أو بالونات هيليوم.
في السياق، قال رئيس «حماس» إسماعيل هنية في مقالة نشرها موقع «ميدل ايست آي» البريطاني، إن «المسيرات الشعبية السلمية ستتواصل حتى تحقيق أهدافها... مستعدون للتعاطي مع أي مبادرة تضمن كسر الحصار عن غزة، لكن ليس على حساب شمولية القضية الفلسطينية».
كذلك، قال القيادي في «الجهاد الإسلامي» خالد البطش، إن المسيرات ستستمر، مضيفاً في احتفالية «يوم القدس العالمي» في غزة، أمس، إن «المقاومة تحتفظ بحقّ الرد على أي عدوان إسرائيلي قد يستهدف المتظاهرين».
(الأخبار)