ليست هناك حاجة لاعتراف إسرائيلي رسمي بعملية اغتيال المهندس «القسامي» فادي البطش في العاصمة الماليزية كوالامبور، فقد تغني عن ذلك ردود الفعل الرسمية نفسها التي أوحت بتبني العملية مواربة، وتعليقات المعلقين الإعلاميين من ذوي العلاقات والصلة مع الأجهزة الأمنية التي تعمدت مقاربة عملية الاغتيال على مستوى الرسائل الكامنة فيها، والسياق الذي تندرج فيه، والأهداف المرجوة منها، فضلاً عن البعد العملاني.تندرج عملية الاغتيال هذه، في إطار «حرب» تشنّها إسرائيل على قوى المقاومة في شكل عام في المنطقة، والمقاومة الفلسطينية وحركة حماس في شكل خاص. لذلك، كانت امتداداً لمسلسل اغتيالات مشابهة على مستوى الهوية المهنية، والأسلوب والساحات البعيدة والقريبة من فلسطين. ومع ذلك، تنتمي العملية أيضاً إلى أكثر من عنوان في آن. فإلى كونها تأتي في سياق استهداف الكوادر المهنية والعلمية الناشطة، فهي تأتي ترجمة لمفهوم يتبناه جهاز «الموساد»، وسبق أن عبّر عنه رئيسه السابق مئير دغان: «سلسلة عمليات سرية مركزة، تحقق تغييرات استراتيجية للواقع». لكن ذلك لا يعني بالضرورة أن هذا الهدف سوف يتحقق. كما حصل في اغتيالات العلماء النوويين في إيران، ومع بعض كوادر حزب الله الذين استهدفتهم الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، وأيضاً في فلسطين. وينقل معلق الشؤون الأمنية في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرغمان، عن رئيس «الموساد» يوسي كوهين وصفه لهذا النوع من العمليات بأن الهدف منها «انتزاع قدرات استراتيجية من الأعداء كتلك التي يمكنها التسبب بضرر لمستقبل دولة إسرائيل وسلامتها. وعندما يلح الأمر، تجب إصابة الأعداء أنفسهم، ولكن فقط عندما يكون الأمر جزءاً من المفهوم الشامل لوسائل كثيرة».
وتعليقاً على اغتيال البطش، أكد عضو المجلس الوزاري المصغر، يوآف غالانت، أن إسرائيل ستلاحق «كل شخص أياً يكن موجوداً حتى لو في أقاصي العالم، وسنجلبه حياً للمحكمة أو ميتاً للمقبرة». ومع ذلك رفض غالانت الإقرار بأن تكون إسرائيل تقف وراء العملية. في المقابل، عقَّب وزير الأمن أفيغدور ليبرمان على عملية الاغتيال بالقول: «دائماً ينسبون لنا أموراً كهذه، من الممكن أيضاً إلقاء تهمة الاغتيال على جيمس بوند. نحن نركز على ما يحدث على حدودنا. حماس تحاول مرة تلو الأخرى شن هجمات في الخارج ولكنها تفشل». أما وزير التعليم نفتالي بينت فقد عبّر عن سروره من العملية ورأى أن «مهمة الصديقين تتم على يد آخرين». في السياق نفسه، رأى وزير الاستخبارات يسرائيل كاتس، أن إسرائيل لا تعلق على حوادث من هذا النوع، ولكنه لفت الى أن «مواطني إسرائيل لن يذرفوا الدموع على رحيله. حماس هي جزء من محور الشر الإيراني في المنطقة، وهناك الكثير من الجهات في هذه المنطقة، وليس فقط لإسرائيل مصلحة في ضرب قدراتها». وأضاف أن «حماس تحاول تطوير قدرات تحت الأرض، وفوق الأرض، وأيضاً عبر الصواريخ وعبر البحر أيضاً. وظيفتنا من الناحية الاستخبارية والعملانية هي منع هذه الأمور من أن تتطور وتشكل تهديداً على دولة إسرائيل».
على مستوى الرسائل، اعتبر المعلق العسكري في القناة العاشرة، ألون بن ديفيد، أن الهدف من الاغتيال توجيه رسالة أنه «من المهم لكم أن تجهدوا في الحفاظ على أنفسكم، وأفضل من العمل على تطوير أمور ضدنا»، لافتاً إلى أن «هناك اغتيالات اعترفت بها إسرائيل ولم تخفيها، مثل تصفية المسؤولين عن عملية ميونيخ أو اغتيال يحيى عياش في سنوات التسعينات. وأيضاً في سنة ألفين إسرائيل لم تخفِ أنها قامت بتصفيات هنا وهناك». وأكد أن في هذا النوع من العمليات، في ماليزيا، لا يمكن أن تعترف بها أبداً. في السياق نفسه، اعتبر برغمان، أن استهداف البطش هو «الحافة العلنية والمدوية لجهد استخباري عالمي، شارك فيه كما يبدو العشرات، وربما أكثر، من أفراد الاستخبارات المختصين بالعديد من المهن والمهارات المختلفة، والذين رأوا فيه يشكل خطراً واضحاً وفورياً، يبرر، من الناحية العملية والاستخبارية والقانونية وحتى الأخلاقية – القيام بمثل هذه الخطوة الحادة». واعتبر أنه في حال كانت إسرائيل تقف وراء العملية، فهي «تعود إلى مفهوم أوسع للحرب، تركّز على ضرب وحدات البحث والتطوير التابعة لحماس، حتى وإن كانت بعيدة، وهي في مهدها، قبل أن تتمكن من تحسين قدراتها التشغيلية». ولفت أيضاً إلى أن عمليات «الموساد» تحتاج إلى مصادقة رئيس الوزراء بنيامين نتانياهو عليها. وأضاف أن الرسالة الأصيلة في عملية الاغتيال مفادها بأن «جميع أعداء الدولة، أينما كانوا، ستعثر عليهم إسرائيل وتقتلهم». وأقر أنه طوال السنوات الماضية، «أنتجت هذه العمليات أسطورة حول ذراع الموساد الطويلة. إلا أن الحوادث العملية أدت إلى تضخيم سمعته باعتباره عدوانياً ولا يعرف الرحمة. وهذا ليس إنجازاً سيئاً، خصوصاً بالنسبة إلى منظمة استخباراتية، لا يقل هدف الردع لديها عن هدف الوقاية». إلى ذلك، اعتبر يوآف ليمور في صحيفة «إسرائيل اليوم»، أن «عملية الاغتيال في ماليزيا تحمل تحذيراً إلى أعداء آخرين لإسرائيل، وبخاصة إيران». ولفت إلى أنه «في الأسبوع الماضي، نشر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي تفاصيل وأسماء ضباط الحرس الثوري الذين شاركوا في المحاولات الإيرانية لترسيخ وجودها في سوريا، وكانت الرسالة في الإعلان تقول لهم: نحن نعرف من أنتم، ماذا تفعلون، وفي أي مكان تعيشون».
وفي إطار تسليط الضوء على الرسائل والأهداف، أضاف معلق الشؤون العربية في القناة الثانية، عوديد غرانوت، أن ما حصل هو «أمر مذهل من حيث المدايات والقدرة على العمل، والنظافة في العمل. إنها حرب متواصلة ويأتي مثله آخرون، عملية التصفية هذه لا تنهي مشكلتنا مع حماس، لأن المشكلة مع حماس هي في جبهات عدة وليس فقط بمجال الطائرات المسيرة أو الصواريخ».