لا تتعارض التقارير الإسرائيلية، عن قلق المؤسستين السياسية والأمنية في إسرائيل من تداعيات تدهور الوضع الصحي للرئيس الفلسطيني محمود عباس، مع الانتقادات القاسية ــ أحياناً ــ التي يوجهها رموز اليمين الإسرائيلي في الحكومة إليه؛ لا قلقهم مصطنع، ولا انتقاداتهم مبالغ فيها.
وينبع قلقهم من إدراكهم أنه الأقدر على الإمساك بالشارع الفلسطيني ومنع انطلاق انتفاضة شعبية واسعة، وقد أثبت نجاحاً باهراً في هذه المهمة منذ استشهاد الرئيس ياسر عرفات. لكن منبع قلقهم يعود إلى خشيتهم من تفاقم الصراع على خلافته بين متنافسين كثيرين يطمحون إلى الوصول لرئاسة السلطة. ووفق صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، هناك «نحو عشرة سياسيين ورجال أمن يرون أنفسهم جديرين بالمنصب»، وعلى هذه الخلفية لا يستبعدون في تل أبيب تبلور «تحالفات مؤقتة بين عدد منهم لضمان السيطرة على السلطة».
مع ذلك، يعود قلق الأجهزة الإسرائيلية إلى أنه لا ضمان لاستمرار «الاستقرار في هذه المرحلة» بالمعنى النسبي للكلمة. كذلك، لا يقتصر القلق الإسرائيلي من مرحلة ما «بعد أبو مازن»، بل باتوا يخشون من أنه «مع اقتراب نهاية ولايته أن يؤثر التوتر الداخلي في مستوى الانضباط الذي تمارسه أجهزة الأمن الفلسطينية في منع عمليات ضد الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة الغربية». من هنا، هم يريدون ضابطاً للحراك الشعبي الفلسطيني، وسداً منيعاً أمام تفعيل المقاومة المسلحة ضد جيش العدو ومستوطنيه، الأمر الذي يتجلى عبر التنسيق الأمني.

يوجد 10 شخصيات طامحة بعد
«أبو مازن» ويمكن
أن تشكل تحالفات

في المقابل، ينتقدون بقسوة رفض عباس تقديم المزيد من التنازلات عبر التكيف مع السقف السياسي الجديد الذي تعمل تل أبيب، بدعم من الإدارة الأميركية، على فرضه في الساحة الفلسطينية. وتأتي هذه القفزة الإسرائيلية في المقاربة مع الساحة الفلسطينية بعدما أدى «أوسلو» الجزء الأساسي من مهماته المؤمّلة إسرائيلياً، وتمهيداً لتوسيع دائرة تحالفاتها مع «الاعتدال العربي».
في السياق نفسه، يخشون في تل أبيب من أن يشكل الرفض المعلن للرئيس الفلسطيني للسقف الأميركي ــ الإسرائيلي للتسوية سقفاً ملزماً لخلفه، كما حصل إلى حدّ كبير مع الرئيس الراحل ياسر عرفات، الذي بات سقفه السياسي ملزماً لكل من يتبنّى خيار التسوية على المسار الفلسطيني. وبات كلّ من يتنازل عنه «خائناً للقضية وللشعب الفلسطيني»، حتى بمعايير التسوية.
في كل الأحوال، يأتي الاهتمام السياسي والأمني الإسرائيلي المتزايد بصحة عباس في لحظة مفصلية تتصل بالقضية الفلسطينية والمنطقة، وفي الوقت الذي يحتدم فيه صراع الإرادات بين الشعب الفلسطيني من جهة والولايات المتحدة وإسرائيل من جهة أخرى حول محاولات شرعنة الاحتلال بالصيغة التي هي عليها الآن، تحت مسمى اتفاق تسوية يراعي «معطيات الواقع» التي فرضها الاحتلال.
ولخصوصية موقع الرئيس الفلسطيني ودوره، تجد إسرائيل نفسها ملزمة بضرورة الاستعداد لإمكانية أن «يؤدي استمرار التدهور في صحة عباس إلى صراع على وراثته في السلطة، الأمر الذي من شأنه أن يزعزع الاستقرار النسبي الذي يسود الضفة حالياً».
وطبقاً للمعلق العسكري في «هآرتس»، عاموس هرئيل، دخل عباس مستشفى «بولتيمور» نهاية الشهر الماضي، عندما وصل الولايات المتحدة لإلقاء خطاب في مجلس الأمن الدولي. وفي تموز الماضي، دخل إلى مستشفى رام الله. ورغم تأكيدات «أبو مازن» أن وضعه الصحي جيد، نُقل عن مصادر فلسطينية قولها إن «عباس مريض، ووضعه الصحي يزداد سوءاً». ولفت هرئيل إلى أن ما نشر في صفحات التواصل الاجتماعي مفاده أنه «مصاب بالسرطان في الجهاز الهضمي»، ولكن لم يؤكد ذلك رسمياً.
لكن المعلق العسكري عاد وأضاف أن عباس قلَّص ساعات عمله في السنة الأخيرة، وتنتابه العصبية، ويدخل في مشادات مع مساعديه ومع مسؤولين كبار في السلطة، ليخلص إلى أن «أداء عباس يعكس عمق الأزمة السياسية التي تعيشها السلطة». وتابع بالقول: «السبب المركزي يكمن في العلاقات المتعكرة للسلطة مع الإدارة الأميركية برئاسة دونالد ترامب، ووقوف واشنطن بوضوح إلى جانب إسرائيل في الخلافات ذات الصلة بالعملية السياسية». كذلك أوضح أن الموقف الأميركي يترافق مع إجراءات أخرى من شأنها المس بالاقتصاد الفلسطيني، مثل اقتراح قانون تقليص المساعدات المالية للسلطة بسبب دعم الأخيرة ذوي الشهداء والأسرى، وتقليص واشنطن الدعم الذي تقدمه إلى «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» (الأونروا).