لم يعد الحديث عن أن «الجهاد الإسلامي» متمسك بخيار الرد على مجزرة النفق التي ارتكبها جيش العدو وأدت إلى استشهاد 14 مقاوماً فلسطينياً، مجرد تخمين نظري أو تمنٍّ أو حتى تفكير بما ينبغي أن يكون. فقد كشف رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو خلال جلسة الحكومة أمس، عن مستوى القلق الذي ما زال يراود القادة الإسرائيليين من هذا السيناريو الذي يبدو أنه ما زال حاضراً بقوة في وعي صنّاع القرار وأجهزة التقدير في المؤسسة العسكرية.
يعكس كلام نتنياهو عن أن «هناك من لا يزال يتلاعب بفكرة شنّ اعتداءات جديدة ضد إسرائيل» عن معلومات وتقديرات إسرائيلية بأن خيار الرد على العدو لم يعد وراءنا، بل يشي كما لو أن لديهم معلومات تؤكد هذا المسار. ويبدو أن المفهوم السائد في تل أبيب حول خيارات الرد، أن ردّ «الجهاد الإسلامي» سيحاول أن يأخذ بالحسبان مجموعة من الاعتبارات التي نتجت من اتفاق المصالحة والواقع القائم في قطاع غزة. على هذه الخلفية يحاولون في قيادة الجيش والاستخبارات الإسرائيلية محاولة استشراف خيارات عملانية قد تلجأ اليها «الجهاد»... وفق تقدير أن الحركة قد تحاول الجمع بين الرد المؤلم وعدم التدحرج إلى مواجهة واسعة في غزة. في السياق نفسه، أكد تقرير معلق الشؤون العسكرية في صحيفة «يديعوت احرونوت»، يوسي يهوشع، أن «معلومات استخبارية وصلت إلى المؤسسة الأمنية تؤكد أن الجهاد الإسلامي يخطط لعملية رداً على مجزرة النفق. والتقدير في المؤسسة الأمنية أن العملية ستكون على شكل إطلاق صواريخ مضادة للدروع باتجاه إحدى آليات الجيش أو إطلاق صلية صواريخ». ولفت يوشع إلى أن «هذا الأسلوب مشابه لأساليب حزب الله»، في اشارة إلى بعض الردود التي اعتمدتها المقاومة في لبنان، في مراحل سابقة والتي أتت بعد مضي فترة زمنية من الاعتداء الإسرائيلي.
أن يعبّر نتنياهو عن هذه المخاوف خلال افتتاح جلسة الحكومة، بعد مواقف مشابهة لمنسق شؤون الاحتلال في المناطق المحتلة، اللواء يؤاف مردخاي الذي حذّر «الجهاد الإسلامي»، من أي رد أو عمل عسكري ضد إسرائيل على خلفية تفجير النفق قبل أسبوعين، يعني أن درجة التوتر بلغت مستوى فرضت عليه توجيه رسالة ردع مضاد. وتوحي اللغة التي استخدمها كل من نتنياهو ومردخاي كما لو أن الرد وشيك. في كل الأحوال، يدركون في تل أبيب أن المعادلة التي تحكم مقاربة حركة الجهاد للاعتداء الإسرائيلي، لا يقتصر فقط على ضرورة أخذ كلفة الاعتداء بالحسبان، على ردهم إزاء المجزرة التي ارتكبها جيش الاحتلال. بل ينظرون إلى ما جرى أيضاً من زاوية كلفة عدم الردّ ومفاعيله وتداعياته، التي قد تشجع إسرائيل على مزيد من الاعتداءات استناداً إلى فعالية عوامل الكبح والردع المفترضة التي ستترتب عن عدم الرد. هذا إلى جانب الأبعاد المعنوية والسياسية التي يمكن أن تترسخ بفعل الامتناع عن الرد في هذه المرحلة التي تمرّ بها القضية الفلسطينية.
انطلاقاً من هذه الرؤى والتقديرات، وما يفترض أنه حاضر لدى قادة العدو من معلومات استخبارية وتقديرات، تعهّد نتنياهو مباشرةً بالرد «بصرامة كبيرة جداً على كل من يحاول أن يعتدي علينا من أي جبهة كانت»، موضحاً أن كلمته تقصد «كل طرف، سواء كانت فصائل مارقة أو تنظيمات أو أي طرف كان». وعمد بذلك إلى توسيع دائرة الاستهداف كجزء من محاولة تعزيز صورة الردع الإسرائيلية. ويبدو من خلال الموقف الذي أطلقه رئيس حكومة الاحتلال أيضاً، أنه ما زال يراهن على فعالية الضغط على حركة «حماس»، في محاولة لإيجاد نوع من الشرخ بين فصائل المقاومة، وهو ما عبَّر عنه بالقول: «في كل الأحوال نحمّل حماس المسؤولية عن أي هجوم ينطلق أو يُنظّم ضدنا من قطاع غزة».
مع ذلك، ينبغي ألّا يغيب عن تقدير خلفيات مواقف نتنياهو أيضاً حقيقة أن مأزقه القضائي يتعمق تباعاً، خاصة أن الخناق يبدو أنه يشتد حول عنقه. في المقابل، يحاول نتنياهو تقديم نفسه كسيد الأمن في المحافظة على الأمن القومي الإسرائيلي.
وكان مردخاي قد قال في شريط فيديو باللغة العربية، وزعه مكتبه أول من أمس: إننا «ندرك مؤامرة الجهاد الإسلامي ضد إسرائيل، وهي تلعب بالنار على حساب سكان غزة، وعلى حساب المصالحة الفلسطينية والمنطقة ككل»، مؤكداً أنّ الرد سيشمل أيضاً «حماس». وهو ما يعني إسرائيلياً أن «قضية النفق» ما زالت تتفاعل في الساحتين الفلسطينية والإسرائيلية، وأن مسألة الرد ما زالت قائمة، وتحاول إسرائيل بمختلف السبل المباشرة وغير المباشرة الحؤول دونها. وليس بعيداً عن الرسائل المضادة التي توجهها إسرائيل، كشف جيش الاحتلال، عن تدريبات على مواجهة مختلف السيناريوات، ومنها التدرب على «حرب الأنفاق» في داخل قطاع غزة.