منذ اللحظات الأولى لتنفيذ عملية القدس أول من أمس، سارع الكيان الإسرائيلي، بكافة مؤسساته، إلى محاولة احتواء مفاعيلها السياسية والمعنوية والأمنية. ومع أن الأداء الإسرائيلي، الاعلامي والسياسي (والتنكيلي)، لم ينطوِ على جديد، فإنه كشف عن حجم الوقع الذي تركته العملية في الواقع الإسرائيلي على مستوى القيادة والجمهور.
ولم تكن مسارعة رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو إلى وسم العملية بأنها امتداد للإرهاب العالمي، إلا ترجمة لخطة سياسية إعلامية تعمل عليها إسرائيل منذ سنوات لمواجهة المقاومة في فلسطين، وأيضاً في لبنان. وتقوم هذه الخطة التي يتصدّر تنفيذها نتنياهو بنفسه، على الترويج لمقولة إن المقاومة والتنظيمات الارهابية فروع من شجرة واحدة. ومن أهداف هذه السياسة محاولة التنصل من حقيقة أن استمرار الاحتلال هو سبب انطلاقة واستمرار المقاومة التي تأخذ اشكالاً متنوعة وفقاً للظروف والمتغيرات.
على المستوى الردعي، كررت إسرائيل نفسها، عندما ردّت على عملية القدس بتطويق حي جبل المكبر، واتخاذ قرار بتدمير منزل عائلة الشهيد فادي القنبر. لكن العملية قوَّضت نظرية الردع التي تستند اليها تل أبيب في تبرير سياسة الهدم والاعتقالات العشوائية وفرض الخناق على القرى والأحياء الفلسطينية. ويتلاقى النهج الإسرائيلي التنكيلي مع أداء سياسي وإعلامي عربي وإقليمي يعمل على استهداف عنصرَي الارادة والوعي لدى الشباب الفلسطيني.
ولدى التدقيق في «فذلكة» سياسة التدمير والتضييق، التي تتبعها إسرائيل، يلاحظ أنها تستند الى المنطق نفسه الذي اعتمدته وتعتمده في مواجهة المقاومة في غزة، إذ نتيجة العجز والفشل في ردع المقاومة وإحباطها، لجأت تل أبيب إلى سياسة استهداف البيئة الحاضنة للمقاومة من أجل تأليبها على خيار المقاومة وإيجاد جو عام يهدف الى تقييدها.
مع ذلك، تأتي سياسة تدمير المنازل والتضييق على الفلسطينيين امتداداً لسياسة التنكيل التي تتبعها إسرائيل تاريخياً، ويساهم في تأجيجها التنافس داخل معسكر اليمين، الذي يحتل حيّزاً أساسياً في بلورة وتبنّي خيارات أكثر تشدداً بحق الفلسطينيين.
في مواجهة كل ما تقدم، تبقى حقيقة ماثلة، وهي أن لا خيار أمام الشعب الفلسطيني سوى المقاومة التي أبقت القضية الفلسطينية حية، وفرضتها على جدول أعمال دول عظمى في العالم. وهي التي أسقطت حتى الآن مخطط تصفية القضية الفلسطينية، وأخرجت الاحتلال والاستيطان من قطاع غزة. وهي الوحيدة التي يمكن أن تفرض عليه لاحقاً تحرير الاراضي الفلسطينية المحتلة. وهي أيضاً الخيار الوحيد لإسقاط الرهان على فعالية وجدوى سياسة التنكيل، والرد التناسبي الوحيد على الاعتداءات الإسرائيلية، وعلى الانبطاح العربي أمام إسرائيل، وعلى كل مخططات الفتنة على مستوى المنطقة.
أيضاً، عمدت إسرائيل إلى محاولة احتواء مفاعيل انتشار الفيديو الذي يوثّق فرار الجنود والضباط أمام المقاوم الفلسطيني الذي اقتحم تجمعهم. ويبدو أن الإحراج الشديد الذي تسبّب فيه، هو الذي دفعهم إلى ضخّ عدد من التقارير التي تحاول تفسير هروب الجنود، تارة عبر القول إنهم غير مدربين، وأخرى نتيجة المفاجأة، وتم أيضاً استحضار قضية محاكمة الجندي القاتل أخيراً. ووصلت الأمور إلى حدّ تخصيص موقع المصدر الإسرائيلي الموجه للعالم العربي، والناطق باللغة العربية، هذه القضية بالمعالجة الموجهة التي تحاول إسقاط الشهادات الإسرائيلية التي أكدت فرار الجنود ومبادرة أحد المدنيين إلى إطلاق النار على المقاوم الفلسطيني، والقول إن ضابطة جريحة هي من أجهزت عليه.