لماذا نرتبط بالمنفى أكثر من ارتباطنا بالوطن، أو حتى فكرته؟ مفارقة غريبة، أن عيسى أو أنت تغريد، تجربان الرحيل خارج فلسطين، وأنا أسعى إلى العودة بشكل فردي إلى أي مكان متاح من الوطن.لماذا أريد هذه العودة؟ لن أنظر كثيراً ولن أدعي، ولن أمارس تلك الرومانسية المقرفة في التعامل مع فلسطين. ببساطة أريد العودة إلى مكان ولادتي وأنا أعرف أني منه، وهويتي المعنوية مرتبطة به، هذا المكان المسمى فلسطين ينقذني من لعنة "اللانتماء".
أن أكون غير منتمٍ، يعني أن أصبح بلا أبجدية واضحة لخطوتي التالية واللاحقة، وأن أبقى حبيس المنفى الذي ولدت فيه، والذي اخترته لاحقاً، لعدم توافر الخيارات، وحتى إمكانية طرح احتمالات ممكنة أو حتى غير ممكنة.
غربتانا لا تتشابهان، أنت وعيسى لديكما جغرافية، أو بعضها على الأقل، ما يتيح لك إن سألك أحد ما: من أين أنت؟ أن تقدمي إجابة قد تكون وافية. أما المنفيون في الشتات، فلا إجابات واضحة لديهم، ما لديهم ليس أكثر من التباس في المعنى.
ما معنى أن أقول: "فلسطيني سوري" أو "فلسطيني لبناني"؟ ما معنى ذلك بالله عليك؟ وأنا في الحقيقة لا أحمل أوراقاً تدل على سوريتي، ولا أخرى تدل على فلسطينيتي، ودون أن يجد الجد، لم تتعامل السلطة الفلسطينية يوماً معنا، فهي معنية بك وبعيسى من أبناء "الدولة"، بينما اللاجئ معنية به منظمة التحرير، التي يتولاها مسؤولو السلطة. ما رأيك بهذه اللعبة يا تغريد؟ قط وفأر. من بيننا القط والفأر؟ ربك وحده يعرف.
عيسى ترك ما كان عليه في فلسطين من موقع صحافي مرموق، وأنت تحلمين بمغادرة غزة، وكما تقولين دوماً، لتتعرفي إلى هذا الحب الذي لدينا نحن اللاجئين، لماذا نحب فلسطين كل هذا الحب، لماذا نريدها؟
تعالي تغريد إلى خارج فلسطين، تعالي لتعرفي معنى أن يكون لك بلد بوسعك العودة إليه، إذا ما ضاقت شوارع المنفى عليك، ولم تكن بيوتها وأوراقه الرسمية على مقاس قدميك. تعالي لتجربي فلسطين، وسلمي على عيسى.