مهدي السيد
تميزت الحركة الصهيونية، منذ نشأتها، بمجموعة من الخصائص حكمت حركة تعاملها مع الواقع العربي بشكل عام، والفلسطيني بشكل خاص. خصائص تعود جذورها إلى الخلفية الدينية ــ القومية للحركة الصهيونية، قبل قيام الدولة «اليهودية» على الأراضي الفلسطينية، وبعده. ورثها الحكام السياسيون والقادة العسكريون للجيش الإسرائيلي عن الآباء الروحيين والسياسيين للصهيونية وعن قادة عصابات الـ«هاغانا» و«ليحي» وغيرها من عصابات الصهيونية المسلحة قبل فترة نشوء الدولة.
يعج تاريخ الصراع العربي ــ الإسرائيلي بكثير من الأدلة على تلك الخصائص، من بينها خاصية إلغاء الآخر والحلول مكانه، وهي خاصية تقف في أساس كل الأساليب والوسائل الوحشية التي لجأت إليها واستخدمتها الحركة الصهيونية والمؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل طوال مسيرتها التي تمتد عشرات العقود، والتي كانت ولا تزال تجد تعبيراً لها في المجازر التي ارتكبت بحق المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين، وطرد الآمنين من بيوتهم وتهجيرهم، ومصادرة الأراضي والممتلكات من دون مراعاة لأي اعتبار قانوني أو أخلاقي. ومن بين هذه الخصائص أيضاً، يمكن الإشارة إلى خاصيتين تُكمل إحداهما الأخرى وهما «العقاب والانتقام»، فكثير ما لجأت إسرائيل إلى هاتين الوسيلتين خلال صراعها مع الفلسطينيين واللبنانيين بشكل خاص، وكثيرة هي المناسبات والأحداث التي مارس فيها الجيش الإسرائيلي هوايته المفضلة في معاقبة الشعبين اللبناني والفلسطيني وارتكاب المجازر بحقهما من منطلق الانتقام لهزيمة أو ضربة تلقّاها، وبهدف معاقبتهما على نضالهما .يسلط الحديث عن هاتين الخاصيتين الضوء على أحد جوانب العدوان الأخير على لبنان، ويدق ناقوس الخطر وجرس الإنذار إزاء مخاطرهما المستقبلية. فلا يمكن فهم هذا العدوان، والهمجية التي رافقته والوحشية التي ميزته، من دون وضعه في سياق ممارسة إسرائيل لغريزة الانتقام والعقاب. فقد صدر كثير من الدعوات في إسرائيل يطالب بضرورة الانتقام من لبنان ومن حزب الله ومعاقبتهما بسبب الهزيمة التي ألحقوها بإسرائيل في عام 2000. أما وقد لحقت الهزيمة مجدداً بالجيش الإسرائيلي، وديست كرامته ثانيةً بأقدام مقاتلي حزب الله، فإن الجولة المقبلة للقتال لم تعد إلا مسألة وقت. هذا على الأقل ما عبّرت عنه المستويات الإسرائيلية كافة، فمنذ قرار مجلس الأمن 1701، صدرت تهديدات عن رئيس الحكومة ووزير الدفاع ووزيرة الخارجية، أكدت على أن الحرب على حزب الله ستتواصل، والأمر عينه صدر عن قادة الجيش الإسرائيلي. وكان لافتاً أن عدداً كبيراً من أبرز المحللين أنه يتعين على المستويين السياسي والعسكري استخراج العبر من الهزيمة الراهنة، تجنباً للوقوع فيها خلال الجولة المقبلة. إن غريزة العقاب والانتقام الإسرائيلية ليست قضاءً وقدراً، فتنفيذها رهن بضعف الخصم ووهنه، وعليه المطلوب هو الحفاظ على جهوزية دائمة وقوة ردع فاعلة، كفيلتين وحدهما بكبح غريزة الانتقام الإسرائيلية تلك ولجمها.