على نحو ما، ثمة إجماع دولي على اعتبار الاستيطان الصهيوني في الأراضي المحتلة عام 67 «غير شرعي». مع ذلك أعلنت السلطة الفلسطينية تأجيل تقديم مشروع قرار إلى مجلس الأمن الدولي حول الاستيطان في الضفة الفلسطينية. التوقع بأن القرار كان سيحظى بموافقة إجماعية، أو أن واشنطن ستستخدم الفيتو لمنع تمريره، هو وراء إعلان التأجيل. ومن الفور جرى الحديث عن ضغوط تعرضت لها رام الله، من أجل فعل ما جرى «لعدم التشويش على المبادرة الفرنسية». وفي العاصمة الأميركية، كان الحديث عن أن الولايات المتحدة لم تطلب من السلطة تأجيل التقدم بمشروع القرار، ولكنها تعدها «خطوة جيدة».مرة أخرى، يظهر البؤس الشديد لأداء السلطة. وتتبين حقيقة فقدان إستراتيجية واضحة في إدارة الملف التفاوضي، الذي يعد أحد مبررات وجودها. كما يتبين فشلها حتى في اعتماد تكتيكات مناسبة، لتحصيل بعض المكاسب البسيطة في ما يحلو لبعض مسؤوليها وصفه بـ«الصراع التفاوضي»، وهي المعتادة تقويض أوراق القوة التي تتوافر لها.
إذا كانت هذه الحال في إدارة المفاوضات، فلا نحتاج إلى تخيل التعامل مع الموضوعات الأخرى. تحفل يوميات السلطة بالكثير: التنسيق الأمني، والمباهاة بإحباط عمليات المقاومة، والاعتقالات، ومعاقبة القوى الوطنية بالتضييق المالي وحرمانها حقوقها، والعمل الجاد على تطويق الانتفاضة المتجددة.
قبل أشهر خيل لبعضهم أن السلطة قد تحتضن، وفي سياق الحديث عن المقاومة الشعبية السلمية، الانتفاضة الجارية وتطوّرها، بغية فرض التراجع على الاحتلال. بلغ تفاؤل بعض القوى حد الحديث عن إنشاء قيادة وطنية موحدة للانتفاضة، وصوغ برنامج تحركات شعبية واسعة، لتحقيق جملة أهداف في طليعتها دحر الاحتلال عن الضفة الفلسطينية.
كانت مجريات الواقع اليومي تجعل كل تفاؤل في غير محله. التساهل الذي أبدته أجهزة السلطة لأيام مع التحركات الشعبية سرعان ما تغير إلى شدة في قمع كل تحرك جماهيري، ومنعه قبل أن يبدأ. وبلع بعضهم، بسرعة، ألسنتهم التي تحدثت عن إستراتيجية جديدة، وعن دعم الانتفاضة، وحتى قيادتها.
من السذاجة الافتراض أن السلطة يمكن أن تغير سلوكها، لكن من الخطأ الشديد الاستمرار في الاكتفاء بنقد سلوك السلطة والحديث المغري عن عيوبها الكثيرة. ثمة طرق أخرى ينبغي السير فيها. والحقيقة تقتضي القول: إننا أمام حالة إحجام غير مسبوقة، من القوى الفلسطينية كافة تقريباً. فبعد أشهر من الجدال حول ما إذا كان ما يجري «هبة» أم «انتفاضة» أم «أعمالاً فردية» والتفنن في ابتكار التوصيفات، وادعاء الوصل، لم نشهد تحركاً جاداً فعلياً واحداً، يبحث في السبل الرامية إلى تطوير الانتفاضة، أو وضع برنامج تحرك جماهيري واسع.
جاء تحديد برنامج قابل للتحقق من سياسيين فلسطينيين مستقلين. قدم المناضل الفلسطيني منير شفيق، تصوراً لهذا البرنامج في لقاءات كثيرة. وهو يقوم على تعيين أربعة أهداف: تفكيك المستوطنات. ودحر الاحتلال عن الأراضي المحتلة عام 67 دون قيد أو شرط. وتحرير الأسرى. ورفع الحصار عن قطاع غزة. والخطوة المطلوبة لتحقيق هذه الأهداف الممكنة، تكمن في عصيان مدني سلمي شامل. والتحرك الجماهيري الواسع.
ليس مستحيلاً إنجاز هذه الأهداف، إن تضافرت جهود قوى فلسطينية مجتمعة. وهي تستطيع تطويق إجراءات السلطة، بدل ترك الأخيرة تطوّق الانتفاضة.