«يديعوت» ـــ رون بن يشاي
حمل التقدير الاستخباري، الذي عُرض أمس (الأول) أمام الحكومة، رسالة تنطوي على تناقض داخلي: ضباط الاستخبارات حذّروا من أن إيران وسوريا و«حماس» وحزب الله يراكمون الوسائل القتالية المتطورة بسرعة، ويحسنون أساليب العمل، ويعدّون الميدان لمواجهة واسعة ويواصلون تشغيل الإرهاب وتشجيعه. إلا أنهم أضافوا، انه رغم هذه المعلومات المثيرة للقلق، فإن كل المؤشرات تدل على أن قادة إيران وسوريا وحزب الله ليست لديهم نية المبادرة إلى عمل عدائي واسع النطاق ضد إسرائيل في الفترة المقبلة. لذلك، قالوا، ملخّصين عرضهم، إن احتمال الحرب في العام الجاري منخفض.
خمس مفاجآت
من بين الحروب الكثيرة التي كانت دولة إسرائيل جزءاً منها، كانت هناك فقط اثنتان ناتجتان عن مبادرة وتخطيط من قبل القادة العرب، وهما حرب التحرير (احتلال فلسطين) وحرب يوم الغفران. كما كانت هناك حربان اندلعتا بمبادرة كاملة من جانب إسرائيل، هما حرب سيناء (العدوان الثلاثي) عام 1956 وحرب لبنان الأولى عام 1982. أما بقية الحروب، فقد فاجأت إسرائيل باندلاعها، بسبب تداخل مفاجئ للظروف والأحداث أدى إلى تدهور الأوضاع وتصعيدها إلى حالة حرب.
ضمن هذه الخانة، تتصنّف حرب الأيام الستة، وحرب الاستنزاف، وحرب الخليج الأولى، التي تعرضت فيها إسرائيل لصواريخ عراقية من دون أن تكون على علاقة بالحرب نفسها، وحرب لبنان الثانية، من بين ثماني حروب خاضتها إسرائيل، هناك خمس لم تتوقع الاستخبارات الإسرائيلية حدوثها مسبقاً. بل أكثر من ذلك، رأى التقدير الاستخباري القومي، المسؤولة عنه شعبة الاستخبارات العسكرية، قبل وقت قصير من كل من هذه الحروب، أن «احتمال الحرب منخفض هذا العام».
ويمكن أن نتوقع ممن انتفت تقديراته حول احتمال اندلاع حرب خمس مرات أن يكون أكثر حذراً، ولا سيما أن خطر الانزلاق بشكل غير متوقع نحو الحرب أكبر من أي وقت مضى.
من الممكن أن نوافق على فرضية أن (الرئيس السوري) بشار الأسد و(الأمين العام لحزب الله السيد حسن) نصر الله غير معنيين حالياً بحرب مع إسرائيل، إلا أن هناك مؤشرات واضحة إلى وجود الكثيرين في القيادة السورية ممن يؤيدون تسخين الحدود معنا، على شاكلة العمل المقاوم لحزب الله، وذلك من أجل رفع الضغط الدولي الكبير عن دمشق في قضية اغتيال (الرئيس رفيق) الحريري والتدخل السوري في لبنان.
على إسرائيل أن تسأل نفسها كيف ستتصرف في حال رجحان وجهة نظر ذوي الرؤوس الحامية في سوريا، وسخنت الحدود في الجولان وأصبحت المستوطنات عرضة للمضايقات أو ربما للكاتيوشا. وفي حال ردّ إسرائيل، أليس من الممكن أن ننزلق إلى حرب سيطلق فيها حزب الله أيضاً الصواريخ من مواقعه في شمال الليطاني؟ هل إن سيناريو كهذا في الصيف المقبل هو فقط نتاج الخيال المحموم لمحرّضي الحروب المهنيين؟
وماذا سيحصل إذا ما قررت الإدارة الأميركية منع المساعدة التي تمنحها إيران للإرهابيين والمتمردين في العراق أو إجهاض جهود امتلاك طهران للسلاح النووي من خلال هجوم عسكري محدود؟ من المحتمل، بالتأكيد حينئذ، أن الرد الإيراني لن يقفز فوق إسرائيل. وبصورة عامة، فإن عملية عسكرية واسعة للجيش الإسرائيلي في قطاع غزة يمكن أن تدفع جهات إسلامية متطرفة إلى تعزيز الدعم للفلسطينيين بشكل يلزم إسرائيل بالعمل في مناطق أخرى.
إن مسؤولية الاستخبارات هي تقدير قدرات ونوايا أعداء إسرائيل، ولذلك فإن «التقدير الاستخباري»، كالذي عرض أمام الحكومة، ليس بديلاً عن تقدير شامل للوضع يأخذ بالاعتبار كل العوامل ذات الصلة في الساحة، بما في ذلك سلوك الأميركيين والإيرانيين والمتمردين في العراق، وكذلك القرارات والخطوات التي تتخذها إسرائيل. كل ذلك من شأنه أن يدهور الأوضاع إلى حرب مع إنذار قصير، أو من دون إنذار بتاتاً.
إزاء ذلك، من الجدير أن تتصرف شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان العامة، المسؤولة عن التقدير الاستخباري القومي، بمزيد من الحذر قبل أن تطلق صفارة طمأنة علنية بشأن إمكان الحرب في الأشهر الـ12 المقبلة. ويسري ذلك أيضاً على بقية أجهزة التقدير الاستخباري الأخرى: الموساد والشاباك وقسم الأبحاث السياسية في وزارة الخارجية، الذين يتشاركون التقدير نفسه.