رغم أن البرامج الانتخابية والمواقف السياسية للأحزاب الإسرائيلية تشمل كل القضايا والعناوين، إلا أن ما يميز الحملة الانتخابية الحالية، أن أي طرف من الأطراف لم ينجح في فرض قضية مركزية تحتل صدارة التجاذب الانتخابي. من جهة، حاول رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، وفريقه، شد الرأي العام نحو القضايا الأمنية والبرنامج النووي الإيراني. في المقابل، حاول خصومه الدفع باتجاه القضايا الاجتماعية والاقتصادية. وهكذا تشهد الساحة السياسية والانتخابية حالة تجاذب، حالت دون تمحور المشهد حول قضية مركزية أساسية محددة.

في هذا السياق، ينبغي القول إنها ليست الانتخابات الأولى التي يغيب عن صدارتها الصراع العربي ــ الإسرائيلي، ولا يتمحور الخلاف بين أطرافها حول الموقف من القضية الفلسطينية. وهو واقع يعود إلى أن مساحة الإجماع بين كل التيارات والأحزاب في هذه القضية واسعة جداً وتشمل عودة اللاجئين الفلسطينيين والقدس وضم المستوطنات الكبرى والعديد من مفردات الترتيبات الأمنية. وتأتي الخلافات على هامش هذا الإجماع. ويمكن القول بأن ما يميّز حزباً عن آخر، مثلاً أن البعض ممن يحسبون على الوسط، مثل «المعسكر الصهيوني»، بات تحريك المفاوضات بالنسبة إليه هدفاً بذاته، بعيداً عما يمكن أن تتمخض عنه من نتائج.
الحكومة المقبلة ستكون حكومة مشاكل حول مختلف القضايا

ووفق نتائج كل استطلاعات الرأي، يبدو أن الكنيست الإسرائيلي الجديد، سيخلو من حزب مهيمن على الساحة السياسية، وهي ظاهرة تأتي امتداداً لحالة متواصلة منذ نحو عقدين ــ إذا ما استثنينا فترة (2003 ـ 2006) التي فاز بها حزب الليكود برئاسة آرييل شارون بـ 38 مقعداً. ولا تقتصر تداعيات هذه النتائج المتوقعة على موازين القوى داخل الكنيست، بل تمتد بالضرورة إلى تشكيلة الحكومة المقبلة. ومن أبزر نتائجها تعدد مراكز الثقل داخل الحكومة الذي سينعكس على أدائها، وهو ما أدى إلى تقديم موعد الانتخابات، رغم مضيّ نحو سنتين فقط على الانتخابات السابقة.
حتى حينه، ما زالت استطلاعات الرأي تتوقع تقدم معسكر اليمين العلماني والديني، على منافسيه. وضمن هذا الإطار، ما زال حزب الليكود يتنافس على الصدارة مع «المعسكر الصهيوني» الذي يضم حزبي «العمل» و»الحركة»، بفارق عضوين أو ثلاثة. لكن في الأيام الأخيرة، أظهرت استطلاعات الرأي أن «الليكود» يعاني من هبوط حاد في شعبيته حتى باتت هناك خشية من أن لا يتجاوز العشرين مقعداً في الكنيست المقبل.
هذه النتائج (استطلاعات الرأي) تشير إلى فشل محاولة توظيف خطاب نتنياهو في الكونغرس، الذي أخذت شعبيته بالتراجع في أعقابه. مع الإشارة إلى أن نتنياهو تعرض لحملة مركزة، إذ اتهمت عائلته بالفساد المالي، إضافة إلى تقرير مراقب الدولة، الذي حمَّله المسؤولية عن رفع أسعار الشقق.
ولوحظ في الأيام الأخيرة حرص نتنياهو على رفع الصوت تحذيراً من إمكانية فقدانه السلطة، وهو أمر لا ينطلق من فراغ. إذ إن هناك العديد من السيناريوات المحتملة التي يمكن أن يكون لها قدر من التأثير الفعلي على نتائج الانتخابات، من أبرزها نسبة مشاركة فلسطينيي 48، ونسبة مشاركة الناخب العلماني الإسرائيلي. إذ تشهد المشاركة بين اليهود تفاوتاً كبيراً بين قطاع وآخر. ففي معاقل اليمين المتطرف، مثل المستوطنين، يصل معدل التصويت إلى نحو 85%. أما نسبة التصويت الأعلى فنجدها لدى الحريديم التي قد تتجاوز الـ 90%، بينما نلاحظ أن معاقل تصويت اليسار والوسط، تتراوح المشاركة فيها بين 52 إلى 56%، كما يلاحظ ذلك في تل أبيب وحيفا.
في كل الأحوال، الواضح حتى الآن أنه سواء تمخضت التركيبة المقبلة للكنيست عن تشكيل حكومة يمينية هشة، أو حكومة واسعة تضم عدداً كبيراً من الأحزاب، فإن الحكومة المقبلة ستكون حكومة مشاكل وتعقيدات حول مختلف القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية، الأمر الذي يعني أن هناك الكثير من الألغام التي إن لم تحسن التعامل معها، فقد تؤدي أيضاً إلى أن لا تستكمل مدتها القانونية المفترضة، أربع سنوات.