"نكبة" البارد، وباستمرارها وتعاظمها منذ ثماني سنوات، كشفت اللثام عن نكبات لا تقل عنها من حيث الحجم والأهميّة في حياة أبناء المخيم المنكوب. هكذا، أسقط تدمير المخيم الأكبر في الشمال، ورقة التوت الأخيرة عن عورات كل الفاسدين من مختلف الاتجاهات. الصورة المرفقة بالموضوع توضح كيف تم "الإعمار" وما هي نوعيته. قد تكون هذه الصورة صورة الفساد شخصياً. اي فساد؟عدوا معي: فساد في بعض الفصائل الفلسطينية، فساد في غالبية مؤسسات المجتمع المدني والجمعيات الاهليّة، فساد في بعض اللجنة الشعبية، فساد في بعض مؤسسات الدولة اللبنانية، فساد في مؤسسات "الاونروا" كافّة من الرأس حتى اخمص القدم، فساد في "الهيئة الاهلية لاعادة الاعمار" وشعارها "ادفع اكثر تاخذ مساحة لبيتك اكبر". اما "منظمة التحرير الفلسطينية" المفترض أنها المسؤول عن اللاجئين الفلسطينيين فلقد كانت اشبه بمسرحية عادل امام، أعني: "شاهد مشفش حاجة"، أو فلنقل شاهد وطنش.

"السلطة الفلسطنية" لا تعترف أصلاً باللاجئين وتتنصّل منهم ومن واجباتها تجاههم وربما تستحي أن تقول انهم جزء من الشعب الفلسطيني! وهي قد سبق لها أن فرّطت بحقهم في العودة إلى ديارهم وممتلكاتهم، فأنّى لها أن تمد لهم يد العون والمساعدة في "نكباتهم"؟
حيثما التفت تجد الفساد يعشش، وتجد رموزه وقد ازدادوا ثراءً وثروةً... ووقاحة!
عشرات ملايين الدولارات أٌرسلت لإعادة إعمار المخيم المنكوب، ولو أن هذه الأموال وقعت بأيدٍ أمينة، لأعادت اعماره بالسرعة القصوى ولكان أجمل من "مخيمات" سويسرا...
ملايين الدولارات أٌرسلت لـ"الاغاثة" لو وضعت في مكانها الصحيح والسليم ولم تنتهِ في المصارف والبنوك في حساب بعض القيميين والمسؤولين، لكانت فعلاً كفيلة باغاثة "الشعب الصيني" وليس فقط الفلسطيني بأسره.
ثماني سنوات من الغش والسرقة والنهب والصفقات والسمسرات والتلاعب بالمواصفات وعدم التزام دفتر الشروط و"قلّة الدين والضمير" و"مرقلي تمرقلك" و"اعمل حالك مش شايف بعمل حالي مش شايف".
ثماني سنوات ولم يجر الانتهاء بعد من اعمار "الرزمة الرابعة" من اصل "ثماني رزمات" وهذا يعني اننا نحتاج الى ربع قرنٍ ويزيد لإعادة اعمار المخيم بكامله.


ثماني سنوات وفي كل يوم تخرج علينا "الاونروا" بجملة من القرارات والمقررات، والفصائل الفلسطينية عاجزة وكل مصانع "الفياغرا" لا تحرك مشاعرها. اما اللجنة الشعبية (بالاسم شعبية ولكنها واقعاً فصائلية) فهي اكثر عجزاً من الفصائل!
الآن تبشرنا "الاونروا" بسلسلة من القرارات الجديدة التي سيبدأ تنفيذها اعتباراً من 1-1-2015، ومنها على سبيل المثال: قطع بدل عقد الايجار عن عشرات العائلات، اعادة النظر بمشروع "ذوي العسر الشديد"! والاهم من هذا وذاك، تخفيض نسبة تغطيّة الطبابة والاستشفاء الى خمسين في المئة اسوة بجميع المخيمات الفلسطينية، وهذا يعني ان "الاونروا" قد الغت "قانون الطوارئ" وان العشرات من ابناء المخيم سوف يموتون على ابواب المستشفيات كما حصل في بداية النكبة لأنهم لا يملكون القدرة على تسديد نفقات العلاج.
الفصائل الفلسطينية تكتفي باللقاءات العبثية اسوة بما يحصل بالمفاوضات مع العدو الصهيوني ولكأننا قد أدمنا المفاوضات وتركنا الافعال جانباً... اللجنة الشعبية تكتفي بتحميل المسؤولية لـ"الاونروا" وتصدر بياناً ركيكاً تهيب به وتناشد ابناء المخيم البدء بالاحتجاج السلمي والحضاري.
اما ابناء المخيم؟ فهم كما تقول الأغنية: حائرون... يتساءلون... ويفكرون... ويبحثون عن طريق أمنِ ومضمون، للوصول الى "اوروبا" او بعض البلدان الاسكندنافية.
قد يلوم اللائمون، وعن العودة يتحدثون... لكن من يأكلون العصي هم غير أولئك الذين يعدون. اي ان ابناء المخيم، على الأرجح، هم المحقون!