تتنامى داخل مخيم عين الحلوة ظاهرة لجوء الفلسطينيين، الممنوعين من العمل في 67مهنة، إلى «السرفيس» للاسترزاق، حتى بات المخيم يمتلك «أسطولاً» من السيارات العمومية وجيشاً من السائقين
عين الحلوة ــ خالد الغربي
«كل ولاد المخيم بيشتغلو شوفيريي». هذا ما يقوله خليل العلي، عندما تسأله عن المهنة «الدارجة» في مخيّم عين الحلوة. فهنا، لا يجد أبناء المخيّم ما يسدّ جوعهم غير «الشوفرة العمومية»، لا سيّما أنّهم محرومون من أكثر من 67 مهنة بموجب القانون اللبناني. قاصد مخيم عين الحلوة يُفاجأ بأعداد السيارات العمومية ذات اللوحات الحمراء التي تضيق بها الزواريب، حتى يصبح من السهل القول إنها تفوق أعداد الناس هناك. ويبرّر السائق الفلسطيني حسين عوض تضخم الظاهرة بالقول «إن هذه المهنة هي مهنة من لا يملك عملاً». أما ما يسهم في ازدهارها، فيلفت عوض إلى بضع مسائل منها «أنها ليست بحاجة إلى رأس مال كبير، قد تكفي ثلاثة آلاف دولار أميركي لاقتناء سيارة مستعملة والعمل عليها». ثمة سبب آخر لازدهار المهنة، هو أنها «ليست بحاجة إلى شهادة اختصاص لكي نتقنها، فيكفي أن نكون قادرين على القيادة»، يقول السائق محمد الصوري. أكثر من ذلك، يتحدّث الصوري عن «تساهل القوى الأمنية اللبنانية مع السائقين الفلسطينيين، فتغض هذه النظر عن بعض المسائل القانونية وتتجاوز مسألة عدم حق الفلسطيني في لبنان في قيادة سيارة تاكسي لكونه لا يحق له امتلاك رخصة سوق عمومية». ويقول الصوري: «لو أرادت هذه القوى التشدّد في تطبيق القانون لما استطاع أي فلسطيني العمل سائق سيارة عمومية». إشادة الصوري بتغاضي بعض عناصر القوى الأمنية عن السائقين الفلسطينيين لم تكن إشادة مفتوحة، إذ يقول إن «هذا التغاضي لا يكفي ولا يمثّل ضمانة، فيدنا تبقى على القلب، فماذا لو قررت الدولة التوقف عن غضّ النظر؟»، مطالباً «بقوننة الموضوع لا تركه للنوايا الحسنة». هذا ما يحصل داخل المخيّم، أما في حال الخروج إلى المدن المجاورة، ومنها بيروت، فيتعرض بعض السائقين للملاحقة والتغريم فيما لو ضبطوا وهم يقودون سياراتهم العمومية. ويشير أحد السائقين، الذي رفض الكشف عن اسمه، إلى أنّه دفع ضبطاً بقيمة 120 ألف ليرة لبنانية أثناء تجواله في بيروت.
120 ألف ليرة قد لا تكون في الحسبان، وقد تقضي على «يوميتنا إذا حصلت»، يقول السائق أبو سمرة. ويضيف: «شغلتنا ما بطعمي خبز، كلها 50 ألف ليرة لبنانية، كيف مع الغرامات؟». بحسب أبو سمرة تُقسّم هذه الأجرة «بين أجرة النمرة، لأن ما فينا نسجلها باسمنا فبنستأجرها، وبين أسعار البنزين والزيت». أضف إلى ذلك «الأعطال في السيارة التي تسبّبها حفريات المخيم». ماذا يبقى من الخمسين إذاً؟ يجيب أبو سمرة «كم ألف بنوكل فيهم».
خمسون ألفاً هي التسعيرة الكبرى، لكنّ كثيرين من السائقين لا يحظون بها. وفي هذا الإطار، يقول أبو محمد إن «الخمسين ألفاً صعبة بالهوقت، مع أنه بنشتغل من الفجر للنجر». يقف أبو محمد العلي في ساحة الشهداء في صيدا. يحفظ عبارة واحدة ينادي بها ركابه: «يا رايح صوب عين الحلوة». وما إن تمتلئ مقاعد سيّارته، حتى ينطلق إلى «الداخل». وعادة ما تكون أخبار هذا الداخل مادة للنقاش بينه وبين ركابه. يعرف العلي كلّ شيء عن أخبار المخيم، حتى أخبار «النسوان»، فيقول لإحدى الراكبات «خالتي عرفتي إنو نايفة ولدت صبي». يعرف أبو محمد كل ما يجري في المخيم، على اعتبار أنه «على الخط رايح جاي يومياً». لا يفرح أبو محمد بمهنته على الرغم من أنها تقيه العوز. والسبب؟ أنه لا يؤمن ببعض «شوفيرية» الخط، ويقول أحد الركاب مازحاً: «لك يا عمّي زوّج بنتك من عفريت بنط نط ولا تزوجها لشفير خط».


متخرجون وأساتذة «شوفرية»

دفعت القوانين اللبنانية التي تحظر على الفلسطينيين العمل في عدد من المهن، لا سيما المهن الحرة، عدداً من سكان مخيم عين الحلوة من حملة الإجازات الجامعية وأصحاب الاختصاص إلى ممارسة مهنة «الشوفرة». وربما يكون محمد الخليل الذي تخرّج قبل سنوات مهندساً كهربائياً من الجامعة العربية يعمل سائق تاكسي في شوارع صيدا، النموذج الأبرز عما يواجهه المتخرّج الفلسطيني. هذا في ما يخص المتخرّجين، أما في ما يخصّ العاملين في وكالة الأونروا، فهؤلاء أيضاً امتهنوا «الشوفرة»، ولا سيما المعلّمين الذين لا تكفيهم رواتبهم.