احترنا يا قرعة منين بدنا نبوسك»، هذا هو حال سائقي العمومي الفلسطينيين. فالقانون يسمح لهم بشراء النمرة الحمراء وتسجيلها لكن بالمقابل يمنعهم من الحصول على دفتر سوق عمومي
قاسم س. قاسم
تلفتك لهجة سائق التاكسي الفلسطينية تسأله «حضرتك فلسطيني»؟ يأتيك ردّه الإيجابي. بعد الأسئلة المتعارف عليها بين اللاجئين «من وين من فلسطين؟ وبأي مخيم ساكن». تسأله عن عمله كسائق أجرة لمعرفتك أنه ممنوع من ذلك. يجيبك أنه برغم من «منعنا العمل كسائقين عموميين إلا أنني اشتريت نمرة وأعمل عليها لكن ضمن المعقول». يرفض الرجل أن يفصح عن اسمه لأنه «ما بدي وجعة راس مع الدولة». أما ضمن المعقول عند الرجل فهو العمل ضمن حدود مدينة بيروت. يتذكر الرجل الأربعيني مغامراته مع قوى الأمن الداخلي، وكيف أوقف مراراً وتكراراً لعدم استيفائه الأوراق القانونية كدفتر السواقة العمومي. تتكرر هذه الحوادث مع سائقي الأجرة الفلسطينيين عموماً. يتذكر الرجل ما حدث معه على أحد الحواجز في منطقة عين المريسة، حينها «ما كنتش عم بشتغل كان بدي إشرب قهوة» يقول. هناك طلب منه حاجز لقوى الأمن الداخلي دفتر السواقة العمومي، وخصوصاً أن لكنة الرجل الفلسطينية أوحت للدركي بأن «الرزقة إجت» كما يصف الرجل الموقف. يكمل السائق حديثه «شرحت له أنني لا أملك دفتراً عمومياً لأنني فلسطيني، لكنني أخبرته أن النمرة والسيارة باسمي». ثم يقول «ترجّيته أن يتركني لأنني لم أكن أعمل على السيارة بل جئت لأشرب فنجان قهوة». يتعاطف الدركي مع الرجل، لكنه يتردد في تركه ثم يعود لحال سبيله بعدما نهره زميله قائلاً «شو بدك في اتركو دولتنا وقوانينها الغلط، مش شايفو معتّر».
يجب على الفلسطيني أن يدفع للضمان إذا وظف سائقاً لبنانياً
هكذا، وعدا أن حياة سائق التاكسي صعبة عموماً، فإن هذه الصعوبات تزداد أكثر عندما تكون سائق أجرة أجنبياً، وتحديداً فلسطينياً. لأن همّك الأساس لن يكون ارتفاع سعر صفيحة البنزين أو حادثاً تعرضت له أو عطلاً بمحرك سيارتك، بل ستكون مشغولاً أيضاً بمراقبة الطريق ليس بحثاً عن «راكب أو رزقة» بل لمراقبة حواجز قوى الأمن الداخلي والعمل على الهروب منها. فببساطة من ضمن الممنوعات التي تفرض نفسها على الفلسطيني في لبنان، لأنه ليس مواطناً لبنانياً، هناك منع غريب من نوعه وهو استصدار رخصة سواقة عمومية. فالقانون اللبناني يسمح للفلسطيني من جهة أن يشتري «نمرة حمرا عمومي»، بينما لا يسمح له باستصدار دفتر سواقة عمومي لممارسة المهنة التي اشترى النمرة لأجلها. أما كيف سيستفيد من النمرة العمومي التي اشتراها بعشرة ملايين ليرة إذا كان لا يستطيع العمل عليها؟ ببساطة تُستثمر إما من خلال بيعها عندما يرتفع سعر النمر مجدداً أو تسليمها لسائق لبناني والاستفادة من يوميّتها. فبالعادة تجري تسويات بين صاحب النمرة والسائق المستثمر قبل تأجيرها، على أن يستفيد الأخير من الضمان الاجتماعي، الذي لا يفيد السائق بأي حال لأنه غير لبناني، بينما يستفيد صاحبها من زيادة يوميّته. كما لا تنحصر مشكلة سائقي العمومي الفلسطينيين بهذه الأمور، فأحياناً يتردد الفلسطيني في تأجير سيارته والنمرة لسائق غريب مفضلاً أن يعمل عليها ضمن منطقته، إما من داخل المخيم إلى خارجه مثل عين الحلوة وصيدا أو في الضاحية الجنوبية لبيروت مثل بعض أبناء مخيم برج البراجنة. وذلك لأن «الغريب مش رح ينتبه للسيارة زيّ صاحبها» يقول أحد السائقين.
لكن هناك بعض اللاجئين الذين يلعب الحظ دوره معه، وخصوصاً إذا كانت زوجته أو أقاربه لبنانيين. فبهذه الطريقة يستطيع أن يحصل على النمرة العمومية، وتسجيلها باسم أحد هؤلاء، فيستفيد من الضمان و«ما بتروح كلفة الضمان ببلاش» كما يقول لاجئ آخر رفض أيضاً الكشف عن اسمه.
هكذا يتحايل الفلسطيني مجدداً على القانون بهدف الاستفادة مما هو متاح بقدر المستطاع، فهو يعتمد على أقاربه اللبنانيين لتسجيل شقة اشتراها أو تسجيل نمرته العمومية بأسمائهم، أو جعلها، إذا سُدّت سبل التحايل، وقفاً لا يستفيد من ضمانها الاجتماعي أحد.
في وجهة نظر القانون في الموضوع، يقول الباحث القانوني في الشؤون الفلسطينية سهيل الناطور إن «القانون اللبناني يسمح للفلسطيني بأن يشتري نمرة عمومية لكن لا يسمح له بأن يستصدر دفتر سواقة عمومي لأنه يجب أن يكون لبنانياً منذ أكثر من عشر سنوات». مضيفاً أن «أغلب الفلسطينيين الذين يملكون نمراً عمومية، يعيّنون عليها سائقين إذ إنهم ممنوعون من ممارسة هذه المهنة هنا». وماذا عن ميزة الضمان الاجتماعي التي تتوافر لشاري النمرة؟ يقول الناطور إنه «يجب على الفلسطيني أن يدفع للضمان إذا عيّن سائقاً لبنانياً لأنه سيعتبر ربّ عمل»، وبالطبع لا يمكنه الاستفادة من تقديمات الضمان لأنه غير لبناني. أما رئيس اتحاد نقابات سائقي السيارات العمومية للنقل البري عبد الأمير نجدة فيقدر أن «عدد سائقي العمومي الفلسطينيين في لبنان لا يتجاوز المئتي سائق». ويقول إن «استصدار دفتر عمومي ممنوع على الأجنبي عموماً وغير متعلق بالفلسطيني فقط». مؤكداً أن «السوري أيضاً ممنوع من استصدار دفتر سواقة وعلى من يريد دفتراً عمومياً أن يكون لبنانياً». لكن كيف يسمح القانون اللبناني بشراء «نمرة حمرا» وتسجيلها بينما يمنع إصدار دفتر سوق عمومي؟ يرى نجدة أن «القانون يعتبر النمرة العمومية ملكية عامة لذلك يمكن من يريد شراؤها وتسجيلها». أما بالنسبة لرأي النقابة في دخول الفلسطيني إلى سوق العمل اللبناني كسائق أجرة عمومي، فيقول نجدة «وك خليهم يشتغلوا الله يعينهم معتّرين».


في مخيم عين الحلوة، وتحديداً على الباب الرئيسي للمخيم، يشكو سائقو التاكسي الفلسطينيون من مضايقات «تفتيشية» يتعرضون لها أحياناً على يد عناصر الجيش. فبرغم أنهم «أصبحوا يعرفوننا» كما يقول أحد هؤلاء «إلا أنهم يتشددون بالتفتيش معنا». ويضيف «نأخذ الركاب من المخيم لخارجه والعكس وفي كل مرة ندخل للمخيم نخضع للتفتيش ذاته، بل إنهم أحياناً يطلبون منا أن نفتح غطاء السيارة ونترجل منها». أما الخروج من المخيم باتجاه صيدا، فيقول السائق «أسهل لأن عناصر الكفاح المسلح بيعرفونا ولاد المخيم»